يعتبر اللعب في السنوات الأولى من عمر الطفل وسيلة هامة جدا لاكتشاف العالم المحيط به والتفاعل معه، ويكون الطريقة المثلى لاكتساب الخبرات الحياتية المختلفة والتعرف على مفردات البيئة المحيطة به. وكلما تعددت وتنوعت هذه المفردات ساهم ذلك في سرعة تعلم الطفل للمهارات الأساسية للحياة.
وهناك آلاف الدراسات التي ناقشت أهمية اللعب في التنشئة السليمة، وآخرها دراسة نشرت نهاية شهر سبتمبر (أيلول) من العام الجاري في النسخة الإلكترونية من مجلة نمو الطفل the journal Child Development لباحثين من جامعة كاليفورنيا بالولايات المتحدة.
– اللعب التلقائي
أوضح الباحثون أن معظم الدراسات التي تتناول اللعب play كفعل أو الألعاب المختلفة كأدوات للتعلم toolsيتم إجراؤها في المختبرات بعيدا عن المنازل حيث المكان الفعلي للعب. وفي الأغلب يكون التركيز على الألعاب المصنوعة مسبقا بالفعل سواء كانت بدائية أو متقدمة تكنولوجيا.
ورغم أهمية تلك الدراسات إلا أنها تغفل أهمية الأدوات البسيطة الموجودة بالمنازل والتي ربما لا تصلح للعب بمفهوم البالغين، ولكنها مادة غنية للعب بشكل عفوي والتعلم في نفس الوقت حيث يكون الأطفال بحاجة إلى اكتساب المعلومات حول ماهية الأشياء وما يمكن أن يفعلوه بها.
تعتبر السنوات الأولى بالغة الأهمية في تكوين المخ وتطوير القدرات الإدراكية ولذلك يجب مساعدة الطفل على التعلم الدائم واكتشاف الأشياء بدون التركيز على إنهاء لعبة معينة بنجاح. بمعنى أن الأم يمكن أن تشعر بالانزعاج في حالة عدم مقدرة الطفل على إنهاء لعبة بسيطة تم تكرارها أمامه عدة مرات.
وفي المقابل يمكن أن يعبث الطفل بمحتويات الغرفة ولا يهتم باللعبة. والحقيقة أن العبث بهذه المحتويات يعد نوعا من اللعب والتعلم أيضاً لا يقل أهمية عن اللعبة التكنولوجية. وهو يسمى اللعب التلقائي spontaneous play وهو ما لا يتم رصده في مختبرات الأبحاث.
في الدراسة الجديدة قام الباحثون بإجراء التجربة على 48 طفلا كان نصفهم في عمر 13 شهرا والنصف الآخر تتراوح أعمارهم بين 18 و23 شهراً بحيث تضمنت المجموعة أطفالا لم يستطيعوا السير أو الوقوف بعد (مرحلة الحبو) وأطفالا آخرين يمكنهم السير. وجميع هؤلاء الأطفال لم يكن لهم أشقاء وكانت أمهاتهم تتراوح أعمارهن بين 27 و46 سنة. واستخدم الباحثون كاميرا فيديو محمولة لتسجيل سلوك الأطفال في المنزل مع الأمهات مما يتيح لهم التفاعل بحرية مع أي أشياء متاحة، وتم احتساب بعض الأفعال فقط على أنها تصنف كنوع من أنواع اللعب مثل لمس شيء معين بالأيدي، بينما تم استبعاد أفعال أخرى لم يتم احتسابها مثل ضرب الطاولة باليدين أو لمس أي شيء بالقدمين.
– تفاعل وتطور
وجد الباحثون أن الأطفال يلعبون بعشرات الأشياء في ساعة واحدة في فترات قصيرة من النشاط. وعلى وجه التقريب قضى الأطفال حوالي 60 في المائة من وقتهم في التفاعل مع الأشياء المختلفة الموجودة في المنزل والتعرف عليها سواء بلمسها أو وضعها في الفم. وشملت هذه القائمة الألعاب الموجودة وأيضاً الأشياء الأخرى غير المخصصة للعب في المقام الأول مثل الأدوات المنزلية كالوسائد والهواتف الثابتة والنقالة واللابتوب والأكواب الموضوعة على المناضد وأجهزة التحكم عن بُعد والمقاعد وأبواب الخزائن والصناديق بجانب ألعابهم المصنعة خصيصاً لذلك.
تأتي أهمية هذه الدراسة من أنها تعتبر المفتاح الأساسي لفهم الكيفية التي تلعب بها الأشياء الموجودة في المنزل، أيا كانت طبيعتها، دوراً أساسيا في التطور اليومي لمخ الطفل وجميع أعضائه أيضاً ونصح الباحثون بضرورة التعامل مع أي أنشطة يقوم بها الطفل على أنها نوع من التعلم والتدريب المجاني.
وبدلاً من النظر إلى سلوك الرضيع على أنه متقلب ومشتت وغير منضبط ويستدعي التقويم، على النقيض تماما يجب النظر إلى النشاط الذي يمارسه الطفل سواء الركض أو الزحف بدون هدف محدد ليس فقط باعتباره أحد عناصر تنمية الطفل مثل التغذية الجيدة أو العناية بالصحة ولكن كوسيلة للحكم على مدى نموه بشكل طبيعي.
يعتبر اللعب منهجاً مثالياً للتطور سواء على المستوى العضوي في المجال الحركي، حيث تساعد الحركة ولمس الأشياء والتفاعل قياما وجلوسا وسيرا على تنمية العضلات وتقويتها أو على المستوى الإدراكي والمعرفي نظرا لتعرفه على الكثير من الأشياء وكيفية التعامل معها من خلال تكرار العبث بها وبجانب ذلك يحدث تنمية للمهارات الاجتماعية واللغوية (في الأشياء التي تحدث أصواتا مثل التلفاز أو الحيوانات الأليفة في الريف) ويجب أن يدرك الآباء أن الطفل يتعلم من اللعب أكثر من التعلم من خلال الكتب المصورة أو الفيديوهات التعليمية ويجب تشجيعه على اللعب بأكبر عدد ممكن من الأشياء حيث يعتبر كل شيء محيط به لعبة محتملة.
وأوضح الباحثون أن الأمر يحتاج إلى مزيد من الدراسات لتأكيد هذه النتيجة خاصةً أن معظم الأطفال كانوا من ذوي البشرة البيضاء من الطبقة المتوسطة العليا وينتمون لآباء متعلمين ومن غير المعروف هل سيتصرف الأطفال بشكل مختلف إذا كانوا مع شخص آخر غير أمهاتهم من عدمه.
وفى النهاية خلصت الدراسة إلى تعريف اللعب بأنه أي نشاط يقوم به الطفل سواء كان تلقائيا أو منظما يوفر له المتعة والتعلم والقدرة على الإبداع والابتكار وذلك تبعا للمرحلة العمرية بطبيعة الحال. ويمكن أن تبدأ في مرحلة مبكرة جدا من بداية الحياة وليس هناك حد أقصى للوقت الذي يمارس فيه الطفل اللعب قبل مرحلة الدراسة بل يعتبر نوعا من العلاج للطفل.
• استشاري طب الأطفال