تجدد قطع الطرقات في بيروت والمناطق، أمس، احتجاجاً على تكليف الرئيس حسان دياب، تشكيل الحكومة، واعتصم مئات الشبان في وسط كورنيش المزرعة أمام جامع عبد الناصر، مقفلين المسلك المؤدي إلى البربير، في حين بقي المسلك الآخر مفتوحاً. كما قطعت الطريق في منطقة قصقص، فيما فتحت طريق فردان بعد قطعها.
وسُجّل انقطاع الطريق الرئيسية على أوتوستراد الجنوب في منطقة الجية قرب مفرق برجا بالاتجاهين.
وفي الشمال، قطع محتجون منذ الصباح العديد من الطرق الرئيسية لمحافظة عكار، مردّدين هتافات تدعو دياب إلى الاعتذار. وأعيد فتح الطريق الدولية في المنية بعد مفاوضات مع الجيش، بينما قُطعت الطريق عند جسر المشاة عند معسكر عرمان في دير عمار.
وتسود «استراحة المحارب» في أحياء «الطريق الجديدة» وأزقتها وشارعها التجاري بأرصفته العريضة، بعد ليلة من الاشتباكات العنيفة مع الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي على كورنيش المزرعة، جراء محاولات شباب المنطقة ذات الغالبية السنية قطع الكورنيش احتجاجاً على تكليف حسان دياب بتشكيل الحكومة.
وكورنيش المزرعة، وهو أحد الطرق الرئيسية في بيروت، شكل خلال أحداث 7 أيار 2008 خط تماس بين «الطريق الجديدة» ومنطقة «بربور» المقابلة، حيث سيطرة «حركة أمل». وطالما شهد توترات أمنية بين الطرفين، من دون أن يتجاوز أحدهما الخطوط الحمر القاضية بعدم اقتحام أي منهما منطقة نفوذ الآخر.
«الشرق الأوسط» جالت أمس في المنطقة التي عُرفت باحتضانها العائلات الفلسطينية منذ عام 1948، وبتحولها إلى مقر لمكاتب منظمة التحرير الفلسطينية منذ ستينات القرن الماضي حتى عام 1982، الذي شهد خروجها بفعل الاجتياح الإسرائيلي لبيروت.
والواضح أن الشبان وصلوا ليل الاشتباكات بنهار الترقب، فقد حولوا الأرصفة إلى مقاهٍ مع طاولات صغيرة وقهوة يتبادلون حولها حواراتهم الناقمة على «المؤامرة التي تستهدف السنة». إنهم يرفضون أن يصنفوا كخزان بشري لـ«تيار المستقبل»، كما يقول عماد لـ«الشرق الأوسط»، مضيفاً: «نزلنا، كما نزل كثير من اللبنانيين في مختلف المناطق، إلى الكورنيش لنقطع الطريق احتجاجاً على الظلم الذي لحق بنا كطائفة سنية لدى تسمية (حزب الله) وحركة أمل والتيار العوني حسان دياب رئيساً للحكومة، مع أنه لا يمثلنا. ولم نتعرض للجيش اللبناني، كما كانوا يشيعون في وسائل الإعلام. على العكس تماماً، فقد تجاوبنا مع الجيش، وتركنا قسماً من الطريق مفتوحاً لعبور السيارات. وحملنا إليه وروداً، لكن يبدو أن القرار بقمعنا صدر مساءً، فلم نكن نتوقع أن تنهال علينا القنابل المسيلة للدموع، لذا بدأنا برشق الحجارة دفاعاً عن أنفسنا».
ويدخل رفيقه على خط الكلام، فيقول إن «كمية القنابل التي رُشقت وصلت إلى الأزقة الداخلية، وتسببت بالأذى للنساء والأطفال والكبار في السن. لو أن أحداً من جانب الجيش أبلغنا بوجوب الانسحاب وفتح الطريق، لكنا لبّينا رغبته، لكنهم باغتونا».
وعن رأيه بطلب رئيس الحكومة السابق سعد الحريري إلى المتظاهرين عدم الاعتداء على الجيش، والاكتفاء بالتعبير عن المشاعر بطريقة سلمية، وتذكيرهم بأنهم «أولاد رفيق الحريري»، يقول: «مع استشهاد رفيق الحريري استشهد لبنان، بعد ذلك جرى العمل على شيطنة السنة، وتصويرهم كإرهابيين. وللأسف، لم يحاول أحد الدفاع عن هذه الطائفة التي تتعرض للغبن أكثر فأكثر، واليوم يفرضون عليها رئيساً للحكومة اخترعه (حزب الله)».
وتتدخل إحدى النساء لتؤكد على «نية المؤامرة» المسبقة، فتقول إن «إحدى وسائل الإعلام روجت لمشاركة فلسطينيين في التظاهر مع الشباب، وذلك لتبرير اعتداء الجيش عليهم، وتحريض الناس ضدهم بعنصرية اشتهر بها فريق بعينه في السلطة. وكأن فلسطينيي الطريق الجديدة إرهابيون، وليسوا من نسيج مجتمع المنطقة، ومتآخون مع شبابه وعائلاته».
أحد أصحاب محلات المنطقة يرى أن «القوة التي استخدمت ضد شباب (الطريق الجديدة) مستغربة. فشباب الخندق الغميق أحرقوا السيارات، ورموا قنابل المولوتوف على الجيش، واعتدوا على المتظاهرين والمعتصمين في وسط بيروت، ولم يلقَ القبض على أي منهم. وبعد ذلك، يريدون قمع شبابنا وكأن هناك طابوراً خامساً يستدرجنا إلى الفتنة، وتحديداً بعد تسمية دياب لتشكيل الحكومة، أو كأنهم يسعون إلى وضع احتجاجات الشباب في ميزان واحد مع اعتداءات جماعة الخندق ليبرروا لهم ما فعلوه».
شباب المنطقة يصرون على أن انسحابهم من الكورنيش هو جولة من معركة الدفاع عن كرامتهم. يقول أحدهم: «حقنا كسنة أن ننزل إلى الأرض، لأن سعد الحريري واصل تنازلاته، عوضاً عن حماية حقوق الطائفة، هو يقول إنه ضحى وخسر شعبيته لمصلحة الوطن، كما كان يبرر. واليوم، صار من دون شعبية ومن دون وطن. ونحن لم نعد نؤيد أحداً. صحيح أننا لا نكرهه، ولكننا نكره سياسته وسكوته عن الفساد. الله يرحم والده».
وينفي أهل «الطريق الجديدة» أن يكونوا قد خربوا «انتفاضة اللبنانيين»، ويؤكدون أنهم «لن يسكتوا على الغبن الذي يلحق بهم». يقول أحدهم: «نحن جماعة نستعين بالصبر والصلاة. وعندما يحين الوقت، سيرى الجميع أننا قادرون على استرجاع كرامتنا وحقوقنا».