يدل القرار الذي اتخذته الحكومة السورية، أمس، بتجميد أموال رامي مخلوف، ابن خال الرئيس بشار الأسد، ومنعه من التعاقد مع الجهات العامة، إلى انهيار جهود التسوية التي كان يقوم بها وسطاء في العائلة وراء الكواليس في الأسبوعين الماضيين.
تتجه الأنظار حالياً إلى الخطوة المقبلة. بين الخيارات، أن تضع الحكومة يدها على شركة «سيرياتل»، التي يرأس مخلوف مجلس إدارتها، ويملك معظم أسهمها، مع الاستمرار في حملة تفكيك شبكات مخلوف وشركاته، والضغط لمزيد من «الانشقاقات»… وتركه وحيداً وعارياً من أدواته، في مقابل قيام مخلوف ببثّ فيديو رابع يصعّد فيه من لهجته، والاقتراب أكثر من السياسة وتسمية الأمور بأسمائها… والاحتماء بـ«الاعتقاد أن هناك قوة خارجية تقف وراءه وتحميه».
علناً، لا يزال الرئيس الأسد بعيداً من الدخول في سجال علني مع مخلوف، تاركاً للحكومة و«هيئة الاتصالات» تنفيذ المفاوضات مع مخلوف. لكن المعلومات المتوفرة تشير إلى أن الأسبوعين الأخيرين، شهدا حملة من الضغوطات على مخلوف، ممهورة بترك باب التفاوض مفتوحاً للوصول إلى تسوية ما.
المطلوب الفعلي من مخلوف كان التخلي عن «سيرياتل» إلى صالح «صندوق الشهداء» واستعادة قسم كبير من أمواله في المصارف الخارجية إلى البلاد التي تقدر بمليارات الدولارات لـ«المساهمة في حلّ الأزمة الاقتصادية العميقة». في المقابل، أظهر رامي مخلوف «عناداً وتصوفاً غير مسبوقين»، مع استعداد لدفع المستحقات المطلوبة، وقدرها نحو 185 مليون دولار من «سيرياتل» إلى الحكومة على دفعات… و«إلا فالمضي إلى آخر الطريق».
في موازاة المفاوضات، كانت هناك «حرب بيانات» بين مخلوف و«هيئة الاتصالات» وحملة ضغوط من السلطات شملت اعتقال كبار الموظفين في شركاته وشبكاته، منذ انقضاء الموعد الذي حددته «هيئة الاتصالات» لسداد «سيرياتل» الـ185 مليون دولار في 5 من الشهر الحالي. مخلوف المقيم في دمشق، من جهته، خاض «الحرب» بتوزيع بيانات و3 فيديوهات على صفحته في «فيسبوك» طلب بداية فيها من الرئيس الأسد التدخل لحلّ المشكلة… لكنه عاد في الفيديوهين اللاحقين إلى التصعيد تصاعدياً.
الجولة الأخيرة من «الحرب الإعلامية»، حصلت في الأيام الماضية. هو حذر في مقطع فيديو، بثّه الأحد، من انهيار «الاقتصاد السوري وأمور أخرى»، في حال انهارت شركة «سيرياتل»، موضوع النزاع. وللمرة الأولى، سمى بعض الأمور بمسمياتها لدى حديثه عن «أثرياء الحرب» وممارسة ضغوطات عليه للتخلي عن «سيرياتل» وتوقيع عقود حصرية مع شركة منافسة للهاتف النقال.
وعندما ردّت «الهيئة» بتمسكها بأن تدفع «سيرياتل» كامل المبلغ، واصل مخلوف الاثنين تصعيده، ونشر على حسابه في «فيسبوك» وثيقة وتوضيحاً «يكذب فيهما ما ساقته هيئة الاتصالات حول رفض شركته سداد المبالغ المستحقة عليها للخزينة العامة». والوثيقة التي كشفها مخلوف تعود إلى 10 مايو (أيار) الحالي، وأظهرت استعداد «سيرياتل» لتسديد المبالغ المفروضة عليها، وتطلب من «هيئة الاتصالات» تحديد مبلغ الدفعة الأولى، ومبالغ الأقساط الأخرى، والفوائد المترتبة عليها.
«الهيئة»، وهي الواجهة الأخرى لـ«الحرب»، قابلت الرد بوثيقة أخرى، إذ وزعت واحدة تعود إلى 16 مايو، من الإدارة التنفيذية في شركة «سيرياتل»، وقع عليها 5 مديرين في الشركة، لإعلام «هيئة الاتصالات» بموافقتهم على طلباتها، ورفض رئيس مجلس الإدارة مخلوف منحهم التفويض لتوقيع الاتفاق. هذا كان أشبه بالتلويح لرامي بـ«انشقاق» في شركته. من جهته، ردّ بأن عيّن ابنه الثاني علي المقيم خارج البلاد، بعدما قدّم شقيقه إيهاب استقالته من منصب نائب رئيس مجلس الإدارة، كي لا يوقع على شروط الخصوم… «الآخرين». هو لن يوقع، كما قال. وابنه المخول بالتوقيع غير موجود.
الجولة الأخيرة من التفاوض، انتهت فجر أمس إلى الجدار من دون تسوية، فاستفاق رامي مخلوف على إجراءات جديدة، شملت قرار رئيس الوزراء السوري، عماد خميس، «حرمان المدعو رامي مخلوف من التعاقد مع الجهات العامة لـ5 سنوات» وقرار وزير المال مأمون حمدان الحجز على أمواله وأموال عائلته.
جاء قرار خميس وحمدان ضد رامي مخلوف، بناء على اقتراح وزارة المواصلات، ضماناً للمستحقات المترتبة لـ«هيئة الاتصالات» من شركة «سيرياتل» لسداد الـ185 مليون دولار. لم يكن هذا قرار الحجز الأول، ذلك أن وزارة المال حجزت على أمواله المنقولة وغير المنقولة في 19 ديسمبر (كانون الأول) الماضي ضماناً لأموال تتعلق بـ«تهريب ضريبي».
ذاك القرار، كان ضمن سلسلة من الإجراءات التي بدأت في أغسطس (آب) الماضي، لتفكيك شبكات مخلوف، شملت وضع يد الحكومة على «جمعية البستان» التي يرأسها وشكلت «الواجهة الإنسانية» لأعماله، وحلّ الميليشيات التابعة لها والسيطرة على شركات أخرى، بينها «السوق الحرة»، إضافة إلى إلغاء رخصة «الحزب السوري القومي الاجتماعي» الذي ينتمي إليه أفراد عائلة مخلوف تاريخياً، وكانوا ممثلين في الحكومة ومجلس الشعب (البرلمان).
في خضم الحملة، كانت المرة الوحيد التي يلمح الأسد إلى ذلك، عندما قال في نهاية أكتوبر (تشرين الأول): «في القطاع الخاص، طلب من كل من هدر أموال الدولة أن يعيد الأموال (…) نريد أموال الدولة أولاً قبل أن نلاحق ونحوّل إلى القضاء».