تُظهر مراجعة علمية حديثة، للدراسات والتجارب السريرية التي صدرت خلال الـ10 سنوات الماضية، أن ما تأكله قد يلعب دوراً فيما إذا كنت تعاني من حبّ الشباب أم لا. ووفق ما تم نشره ضمن عدد يونيو (حزيران) من «المجلة الدولية لطب الجلدية» The International Journal of Dermatology، عرض مجموعة باحثين إيطاليين، من جامعة كاتانيا، مراجعتهم للأدلة العلمية التي ظهرت خلال العشر سنوات الماضية حول علاقة التغذية بحبّ الشاب لدى البالغين.
– الغذاء وحب الشباب
وقال الباحثون: «قد تلعب العادات الغذائية دوراً لا يستهان به في تطور حبّ الشباب ومدته وشدته. والهدف من هذه المراجعة المنهجية هو استكمال البيانات المتاحة في 53 مقالة علمية على مدى السنوات العشر الماضية».
وفي استنتاجاتهم العلمية، قال الباحثون الإيطاليون: «تشمل العوامل المحفزة لحبّ الشباب Acne‐Promoting Factors: الأطعمة التي تحتوي على نسبة عالية من المؤشر السكري ومنتجات الألبان والأطعمة الدهنية من المأكولات السريعة والشوكولاته.
ومقابل ذلك، تشمل العوامل الوقائية لحبّ الشباب Acne‐Protective Factors: الأحماض الدهنية (في الأسماك) والفواكه والخضراوات. ولكن يظل الدور الذي تلعبه مكونات غذائية محددة بأطعمة مختلفة، مشكلة لم يتم حلها وهدفاً للبحث المستقبلي، كما هو الحال بالنسبة للحليب (كامل الدسم، وقليل الدسم، ومنزوع الدسم)، منتجات الألبان (كريم الحليب، والآيس كريم، والزبادي، والجبن، إلخ.)، أو الشوكولاته (الكاكاو الطبيعي، والشوكولاته الداكنة، والشوكولاته الممزوجة بالحليب والدهون)».
وفي مقالته الطبية الحديثة بعنوان «هل النظام الغذائي مهم حقاً عندما يتعلق الأمر بحبّ الشباب عند البالغين»، يُوضح الدكتور روبرت هـ. شميرلنج، طبيب الباطنية في كلية الطب بجامعة هارفارد، قائلاً: «يمكن أن تؤدي بعض الأطعمة إلى حدوث التهاب في جميع أنحاء الجسم، ومن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى تفشي حبّ الشباب. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤثر النظام الغذائي على الهرمونات التي بدورها يمكن أن تجعل حبّ الشباب أسوأ. وعلى سبيل المثال، يمكن أن يتسبب الحليب والأطعمة التي تحتوي على نسبة عالية من السكر في ارتفاع مستويات الأنسولين، مما يؤدي إلى تغيير في الهرمونات الأخرى التي يمكن أن تؤثر على الجلد».
– تقليل السكر
ووفق نتائج الدراسة الإيطالية الجديدة، يظل فيما يتعلق بالنظام الغذائي وحبّ الشباب، أن أقوى الأدلة تدعم الحد – قدر الإمكان – من تناول السكريات المكررة والأطعمة عالية في مؤشرها السكري Glycemic Index. وتستخدم وسيلة «المؤشر السكري» من أجل تصنيف أنواع الأطعمة وفق مقدار رفع تناولها لنسبة السكر في الدم.
وعليه فإن: الأطعمة عالية المحتوى بالسكر، وخصوصاً الأطعمة العالية المحتوى بالسكريات البسيطة والأطعمة العالية المحتوى بالسكريات السهلة الهضم والامتصاص من الأمعاء، هي ذات مؤشر سكري عالٍ وتزيد من نسبة السكر في الدم بسرعة وتؤدي إلى زيادة إفراز البنكرياس للأنسولين. وتشمل على سبيل المثال: الخبز الأبيض، والحلويات السكرية، والسكر الأبيض، والمشروبات الغازية السكريّة العادية. وثمة عدة دراسات طبية لاحظت قوة العلاقة بين ارتفاع تناول الأطعمة ذات المؤشر السكري العالي وتهييج ظهور حبّ الشباب، وأن اتباع المُصابين بحبّ الشباب لنظام غذائي غني بأطعمة منخفضة المؤشر السكري (مثل: الحبوب الكاملة، والخضراوات، والتوت، والمكسرات والبذور، والفواكه ذات القشرة مثل الكمثرى والتفاح) يُخفف من تحفيز ظهور حبّ الشباب.
– نظام غذائي مناسب
وتقول رابطة الأكاديمية الأميركية لطب الجلدية: «يعتقد العلماء أن اتباع نظام غذائي منخفض نسبة السكر في الدم Low – Glycemic Diet قد يقلل من ظهور حبّ الشباب، لأن هذا النظام الغذائي لا يتسبب بارتفاع تلك النسبة (بشكل عال وسريع). وهو يشمل مثلاً الخضار الطازجة وبعض الفواكه الطازجة والفاصوليا والشوفان المقطع.
وعندما يرتفع مستوى السكر في الدم (بشكل عالٍ وسريع)، فإنه يسبب التهاباً في جميع أنحاء الجسم (نتيجة ارتفاع مستوى هرمون الأنسولين). وتؤدي هذه الارتفاعات (في نسبة السكر) أيضاً إلى زيادة إفراز الجسم لدهون الزُهْم Sebum، وهي مادة دهنية شمعية في البشرة (تتسبب بسدد مسام الجلد وتفرزها الغدد الزيتية على الجلد Sebaceous Gland). ويمكن أن يؤدي كل من الالتهاب والزُهْم الزائد إلى ظهور حبّ الشباب.
وفي حين تظهر هذه النتائج أن اتباع نظام غذائي منخفض نسبة السكر في الدم يمكن أن يؤدي إلى عدد أقل من حبّ الشباب، لم تجد دراسات أخرى صلة بين النظام الغذائي الذي يحتوي على نسبة عالية من السكر في الدم High – Glycemic Diet وحبّ الشباب، إن هناك حاجة إلى مزيد من البحث بالتأكيد». ورغم أن الأدلة العلمية لم تكن قوية بشكل عال، فإن الباحثين وجدوا أدلة تشير إلى أن تناول البيض أكثر من ثلاثة أيام في الأسبوع، وشرب كميات كبيرة من المشروبات الغازية، وتناول الأطعمة المالحة، يمكن أن تكون أيضاً عوامل غذائية تعزز حبّ الشباب.
وبالنسبة لمنتجات الألبان وارتباطها بزيادة انتشار حبّ الشباب كما تذكر العديد من الدراسات الطبية، أشار الباحثون إلى الحاجة لمزيد من البحث في تأثير أنواع منها دون أخرى. إذْ على سبيل المثال، وجدت دراسة نشرت عام 2019 في مجلة التغذية الاكلينيكية Clinical Nutrition أن استهلاك بعض منتجات الألبان – خاصة اللبن الزبادي والجبن – لم يكن له أي تأثير على ظهور حبّ الشباب، بخلاف الحليب وكريم الحليب.
وحول هذا الأمر تقول رابطة الأكاديمية الأميركية لطب الجلدية: «في حين أن حليب البقر هو مشروب منخفض (في تأثيره السريع على) نسبة السكر في الدم، تشير بعض الدراسات إلى أن شرب هذا النوع من الحليب قد يكون مرتبطاً بزيادة انتشار حبّ الشباب. وفي هذه الدراسات، تم ربط جميع أنواع حليب البقر (كامل الدسم، قليل الدسم، منزوع الدسم) بحبّ الشباب. أما لماذا قد يزيد حليب البقر من حبّ الشباب أو يفاقمه، فإنه لا يزال لغزاً بعض الشيء.
وتقول إحدى النظريات إن بعض الهرمونات الموجودة في الحليب تسبب التهاباً داخل الجسم. ويمكن أن يسد الالتهاب مسامك (الجلدية)، مما يؤدي إلى ظهور حبّ الشباب. ومع ذلك، هناك حاجة إلى مزيد من البحث للمعرفة على وجه اليقين». ولكنها تُضيف: «في حين أن حليب البقر قد يزيد من خطر الإصابة بحبّ الشباب، لم تجد أي دراسات أن المنتجات المصنوعة من الحليب، مثل اللبن الزبادي أو الجبن، تؤدي إلى زيادة انتشار حبّ الشباب».
– حبّ الشباب عند البالغين… فهم أسباب ظهوره
يسأل بعض البالغين: «أنا لست مراهقاً، لماذا ما زلت أعاني من حبّ الشباب؟!». وللإجابة، فإنه ورغم أنه مشكلة في سن المراهقة، فإنه يمكن أن يصيب الأشخاص من جميع الأعمار.
وحبّ الشباب عند البالغين له العديد من أوجه التشابه والاختلاف مع حب الشباب لدى المراهقين، من حيث الأسباب والعلاجات، وهناك بعض الصفات الفريدة لحبّ الشباب عند البالغين أيضاً.
وتوضّح الدكتورة كريستينا ليو، الطبيبة في كلية الطب بجامعة هارفارد، قائلة: «حبّ الشباب عند البالغين، أو بعد سن المراهقة، هو الذي يحدث بعد عمر 25 سنة. والعوامل الأربعة التي تساهم بشكل مباشر في ظهور حب الشباب هي: زيادة إفراز الدهون، وانسداد المسام بخلايا الجلد، وتراكم البكتيريا، وعملية الالتهابات». وهناك أيضاً بعض العوامل غير المباشرة التي تؤثر على العوامل المباشرة المذكورة أعلاه، بما في ذلك:
– الهرمونات والتوتر والدورة الشهرية عند النساء، كلها تؤثر على إنتاج الدهون الجلدية.
– منتجات الشعر ومنتجات العناية بالبشرة والمكياج، التي يمكن أن تسد المسام.
– النظام الغذائي الذي يمكن أن يؤثر على الالتهابات في جميع أنحاء الجسم.
– تناول بعض أنواع الأدوية.
كما يمكن أن يكون ظهور حبّ الشباب مع حصول اضطرابات أخرى مرافقة (مثل تساقط الشعر، أو نمو الشعر الزائد، أو دورات الحيض غير المنتظمة، أو زيادة الوزن أو فقدانه السريع، بالإضافة إلى حب الشباب، أو الظهور السريع لحب الشباب مع عدم وجود تاريخ سابق لحب)، علامة على وجود مرض آخر في المبيض أو اضطرابات الغدد الصماء.
– هل حبّ الشباب مرتبط بالنظام الغذائي؟
علاقة أنواع الأطعمة بحبّ الشباب مرت بمراحل متأرجحة لدى الأوساط الطبية. وفي مقالته الطبية الحديثة بعنوان «هل النظام الغذائي مهم حقاً عندما يتعلق الأمر بحبّ الشباب عند البالغين»، يلخص الدكتور روبرت هـ. شميرلنج، طبيب الباطنية في كلية الطب بجامعة هارفارد، هذا الجانب بقوله: «عندما كنت مراهقاً، كانت النصيحة التي تلقيتها بشأن حبّ الشباب واضحة: تجنب الأطعمة الدهنية والشوكولاته لأنها تحفز ظهور الحبوب وتجعل حبّ الشباب أسوأ. وبحلول الوقت الذي وصلت فيه إلى كلية الطب، كانت الرسالة قد تغيرت. وتعلمت أن العلاقة بين النظام الغذائي وحبّ الشباب تعتبر وهام، وأن ما نأكله ليس له علاقة كبيرة بجعل حبّ الشباب أفضل أو أسوأ. ولكن الدراسات الجديدة قلبت الأمور مرة أخرى، وتقترح أن النظام الغذائي قد يساهم في ظهور حبّ الشباب، على الأقل لدى البالغين».
ومع هذه التقلبات في النظرة الطبية لعلاقة أنواع الأطعمة بحبّ الشباب لدى البالغين، والحاجة إلى مزيد من الدراسات للتأكد من نوعية هذه العلاقة بالنسبة لأنواع مختلفة من الأطعمة، تُجيب رابطة الأكاديمية الأميركية لطب الجلدية على سؤال: ماذا تعني نتائج البحث هذه بالنسبة لأي شخص لديه حبّ الشباب؟ بالقول: «في حين أن هناك حاجة إلى مزيد من البحث لمعرفة ما إذا كانت بعض الأطعمة يمكن أن تؤدي إلى تفاقم حبّ الشباب، فهناك شيء يمكنك القيام به الآن إذا كنت تعتقد أن نظامك الغذائي يؤثر على حبّ الشباب».
وينصح أطباء الأمراض الجلدية بأن تنتبه إلى نوبات ظهور حبّ الشباب، وأن تسأل نفسك هذه الأسئلة: هل يبدو أن أي طعام أو شراب يتسبب في ظهور حبّ الشباب أو يزيد من سوء حبّ الشباب لديك؟ إذا بدا أن هناك شيئاً ما يؤدي إلى هذا الاختراق، فماذا يحدث عندما لا تتناول هذا الطعام أو المشروب لمدة يوم أو أسبوع أو شهر؟».
وتُضيف: «في حين أن النظام الغذائي قد يلعب دوراً في التسبب في ظهور أو تفاقم حبّ الشباب، فإن الحفاظ على بشرتك صافية يتطلب أكثر من تغيير النظام الغذائي. ويساعد استخدام مستحضرات العناية بالبشرة الصديقة لحبّ الشباب، واستخدام أدوية حبّ الشباب على منع ظهور الحبوب الجديدة».
– استشارية في الباطنية