بعد أسبوع على انطلاق الحملة الانتخابية في المغرب، التي تجري في سياق استثنائي يتمثل في الإجراءات التي أقرتها السلطات للتصدي لتفشي فيروس «كورونا»، تشهد مختلف الدوائر تنافساً حاداً بين المترشحين الذين يسعون إلى استمالة أكبر عدد من الناخبين.
غير أن هناك بعض الدوائر الانتخابية تحظى بمتابعة وتغطية إعلامية استثنائية، بعدما قررت مجموعة من الأمناء العامين في عدد من الأحزاب السياسية الترشّح فيها. كما أن حمى المنافسة تتزايد، عندما يترشح أكثر من أمين عام واحد أو قيادي بارز في الدائرة ذاتها. وتشكل دائرة المحيط بالرباط، إحدى الدوائر الانتخابية التي تشهد سباقاً محموماً للظفر بمقاعدها الأربعة، وبها أسماء وقيادات بارزة، على رأسها سعد الدين العثماني الأمين العام لحزب العدالة والتنمية (رئيس الحكومة)، ومحمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية المعارض (الشيوعي سابقاً)، بالإضافة إلى الأمين العام للحزب المغربي الحر، إسحاق شارية.
من جهته، قرر نزار بركة، الأمين العام لـ«حزب الاستقلال» المعارض، خوض الانتخابات في دائرة العرائش بشمال المغرب، للمنافسة من أجل الظفر بمقعد برلماني، فيما يخوض عبد اللطيف وهبي الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، غمار الانتخابات التشريعية وكيلاً لحزبه في دائرة تارودانت الشمالية، وسط البلاد.
أما عبد الصمد عرشان، الأمين العام لحزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية؛ فقد ترشح للانتخابات الجماعية (البلدية)، والبرلمانية بتيفلت، شمال شرقي الرباط، فيما اختارت نبيلة منيب الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد الترشح عن لائحة الجهوية بجهة الدار البيضاء سطات.
في غضون ذلك، فضل الأمينان العامان لحزبي الاتحاد الدستوري والحركة الشعبية (غالبية) وضع ترشيحهما على رأس اللائحة الخاصة بالانتخابات الجهوية، حيث وضع محمد ساجد ترشيحه لعضوية مجلس جهة الدار البيضاء – سطات، فيما قرر محند العنصر الترشح لعضوية مجلس جهة فاس – مكناس. أما رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، عزيز أخنوش، فقد ترشح في الانتخابات الجماعية بمدينة أكادير، آملاً الظفر بعمديتها.
ويسود اعتقاد لدى المراقبين أن خوض الأمناء العامين للعديد من الأحزاب غمار الانتخابات يهدف في الأساس إلى تكريس وتعزيز شرعيتهم الانتخابية وتوسيع نفوذهم الانتخابي من جهة، وضمان الحد الأدنى من الحظوظ لولوج المؤسسات المنتخبة، من جهة أخرى.
في سياق ذلك، اعتبر عبد المنعم لزعر أستاذ علم السياسة والقانون الدستوري بكلية الحقوق السويسي بجامعة محمد الخامس الرباط، في تصريح لـ«وكالة الأنباء المغربية»، أن الأمين العام أو القائد الحزبي أو الفاعل السياسي متصل بشكل واعٍ أو غير واعٍ بالتنافس الانتخابي. وأوضح لزعر أن قوة الحزب وقيادته ترتبط ارتباطاً وجودياً بالنتائج في الميدان «لأن حياة وروح القائد السياسي متصلة كذلك بنفوذه الانتخابي»، معتبراً أن «الزعيم الحزبي عند فقدانه لهذا النفوذ يبقى دائماً مهدداً من منافس آخر من داخل الحزب، يُولد من رحم الميدان الانتخابي».
ويعتقد الأكاديمي المغربي أن ترشح عدد من الأمناء العامين هدفه «الحفاظ على عمرهم السياسي وتجديد طاقة روحهم كفاعلين، دون نسيان أن السياسة والاستثمار في الانتدابات الانتخابية أصبحت حرفة». وبالتالي فإن الرهان، وفق لزعر، يتمثل دائماً في «الحفاظ على هذه الحرفة، لأنها توفر طاقة سياسية للتفاعل وتزوده بالعديد من الرساميل المادية والرمزية التي يحتاجها ليستمر في التأثير حزبياً وسياسياً وشعبياً».
وأضاف أن إقدام الأمناء العامين للأحزاب على الترشح يستدعي قراءات متعددة، فهناك صنف من القادة «بارز في الميدان الانتخابي بما له من طاقة وإغراء وسحر وجاذبية وعائدات مادية ورمزية، لذلك تجده لا يتردد في العودة إلى الميدان من أجل الحفاظ على اتصال دائم به سواء من خلال الصفة البرلمانية أو الجماعية أو الجهوية». وهناك صنف آخر «قطع كل اتصاله بالميدان على المستوى التمثيلي أو لنقل لفظه الميدان، فتكون عودته من أجل اكتساب الطاقة واستغلال هذه الفرصة لتجديد الشرعية باعتبارها تشكل لحظة تركيز إعلامي وشعبي، لذلك يكون ترشيحه بهدف استغلال أضواء الميدان الانتخابي وإن كانت فرصه في الفوز ضعيفة أو منعدمة». ولأن ترشح الأمناء العامين للانتخابات لا يمثل خرقاً للقاعدة القانونية ويعد سلوكاً انتخابياً مألوفاً، فإن الرهان على «شرعية انتخابية لتثبيت الشرعية الحزبية» يظل مغامرة محفوفة بالمخاطر في حالة خسارة المقعد البرلماني.