تعد إيران لاعباً استراتيجياً رئيسياً في العراق على جميع المحاور، لكنها تجد نفسها اليوم مرغمة على التعامل مع سخط كثيرين مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية المبكرة في بلد يشهد انقساماً حاداً، بحسب خبراء.
وحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية، يتجسد الدور الحساس الذي تلعبه طهران في العراق في تحالفاتها مع كيانات سياسية رئيسية ودعمها لقوات الحشد الشعبي التي تضم فصائل موالية لها وباتت جزءاً من القوات الأمنية الحكومية.
اقتصاديا، يعتمد العراق بشكل كبير على استيراد الطاقة من إيران الخاضعة لضغط عقوبات اقتصادية أميركية، كما أنه ثاني مستورد للبضائع الإيرانية، حيث تملأ السيارات إيرانية الصنع والزهيدة شوارع بغداد وغالبية المدن العراقية، فيما تنتشر المنتجات الإيرانية في معظم المراكز التجارية.
وفي هذا السياق، يرى خبراء أن الانتخابات التشريعية الأحد المقبل لن تنجح في إحداث أي تغيير وسيبقى «التحدي الأكبر» أمام طهران اليوم استعادة الثقة الشعبية في العراق. وترى الباحثة العراقية مارسين الشمري أن «من الأمور التي ثير قلق إيران في العراق حالياً هو الشعور العام بالاستياء» من النفوذ الإيراني، مضيفة «لم تتوقع إيران ذلك وهذا أمر جديد عليها التعامل معه».
وبدا الاستياء من النفوذ الإيراني واضحاً خلال الاحتجاجات الشعبية التي هزت البلاد في أكتوبر (تشرين الأول) 2019 للمطالبة بإصلاحات سياسية ومحاربة الفساد وتحسين الخدمات في البلاد، إذ أعرب خلالها المتظاهرون عن غضبهم حيال طهران، متهمين إياها بأنها مهندسة النظام السياسي في العراق.
وتصاعدت حدة الغضب تجاه إيران خصوصاً بعد القمع الدموي لاحتجاجات «تشرين» الذي خلف نحو قرابة 600 قتيل وحوالي 30 ألف جريح، واتهم ناشطون «مجموعات مسلحة» في إشارة إلى فصائل شيعية مدعومة من إيران بالوقوف وراء تلك الحملة وهو ما تنفيه الفصائل.
يوضح الباحث ريناد منصور من مركز «تشاتام هاوس» للأبحاث أن «إيران خسرت جزءاً كبيراً من قاعدتها الشيعية في وسط وجنوب (العراق)، بعدما كانت تعتقد ولمدة طويلة أنها ستحتفظ بقاعدة موالية لها هناك».
ويضيف الباحث أن «أحزاباً كثيرة متحالفة مع إيران تواجه صعوبة أكبر في الحفاظ على شعبيتها».
نجح العديد من مرشحي الحشد الشعبي من الدخول إلى البرلمان في انتخابات العام 2018 التي شهدت نسبة مقاطعة غير مسبوقة، مدفوعين بالانتصارات التي شارك الحشد في تحقيقها ضد «داعش».
ويسعى هؤلاء اليوم إلى حصد مقاعد أكبر في مجلس النواب، لكن خبراء يشككون بقدرتهم على تحقيق ذلك.
في مقابلة تلفزيونية الشهر الماضي أعرب أحمد الأسدي، من الشخصيات البارزة في الكتلة البرلمانية التابعة للحشد والمرشح للانتخابات المقبلة عن أهمية العلاقة مع طهران من وجهة نظر الفصائل الموالية لها، قائلاً إن «علاقاتنا مع الجمهورية الإسلامية ليست علاقة ناشئة، هي علاقة استراتيجية». وأضاف «ليست علاقة تبعية ولا علاقة انحياز، هي علاقة استراتيجية مبنية على توازن بين مصلحة العراق ومصلحة الجمهورية الإسلامية».
وهو ما أيده محمد محيي، المتحدث باسم «كتائب حزب الله»، أبرز فصائل الحشد الشعبي، قائلا إن «العلاقة إيجابية لصالح الشعب العراقي وينبغي أن تُعزز».
وأثار محيي، من جهة ثانية، هدفاً أساسيا آخر على «المستوى الأمني والاستراتيجي هو إخراج القوات الأميركية من العراق واكتمال السيادة وتعزيز القوات الأمنية»، حيث تعد الولايات المتحدة القوة النافذة الأخرى الموجودة في العراق وتسعى إلى مقارعة النفوذ الإيراني في البلاد.
وفي بلد تتبدل فيه التحالفات بعد الاستحقاق الانتخابي، تحمل المفاوضات الهادفة إلى تشكيل حكومة أهمية تفوق أهمية الانتخابات وتوزيع المقاعد في الحكومة. يخشى لذلك مراقبون ودبلوماسيون وقوع عنف في حال أرادت الفصائل الموالية لإيران مثلاً الضغط لضمان التمثيل الذي تطمح إليه في الحكومة.
ويرى المحلل السياسي العراقي علي البيدر أن الفصائل الموالية لإيران «تحاول بشكل جاد وحقيقي تثبيت نفسها وغرز جذورها عميقا في رحم العملية السياسية وفي الحكومات المتعاقبة».
وأوضح أن الفصائل «تعمل بشكل مكثف على الوجود في قطاعات مختلفة كالجوانب الدبلوماسية والثقافية والرياضية»، لتغيير نظرة الشارع العراقي إليها بأنها «لا تستطيع الوجود خارج (إطار) المنظومة الأمنية والعسكرية».
لكن في بلد عادة ما يأخذ فيه تبلور التحالفات السياسية داخل البرلمان حيزاً كبيراً بعد الانتخابات، ستكون المشاورات الخاصة بتشكيل الحكومة الملف الأساسي في المرحلة المقبلة. وتعتبر الباحثة في الشأن العراقي في مجموعة الأزمات الدولية لهيب هيجل أن طهران ستبحث عن «رئيس وزراء يمكنها العمل معه ويكون مقبولاً لبرنامجها».
وفي هذا الخصوص، يؤكد منصور أن «النقطة المحورية ستكون الصفقات التي تجري خلف الكواليس لتشكيل الحكومة»، مضيفاً أنه «في هذه العملية، لطالما اضطلعت طهران تاريخياً بدور كبير. لقد أثبتت إيران أنها اللاعب الخارجي الأكثر نفوذاً عندما يتعلق الأمر بتشكيل حكومة في العراق».