فيما يشبه اختبار الذكاء، تتلاعب الكتل السياسية العراقية، الخاسرة والفائزة، بعضها ببعض. شدّ الحبل وإرخاؤه، رفع سقوف المطالب وخفضها، وإطلاق رسائل مزدوجة، جميعها تلخص الحياة السياسية، منذ اندلاع أزمة نتائج الانتخابات العراقية.
ويقف مقتدى الصدر والإطار التنسيقي على معسكرين يخوضان صراعاً مريراً، بين الاستفادة من مخرجات الاقتراع، وإلغائه أو في الأقل تقليل الخسائر. وفي هذا الصراع تدور فرضيتان؛ حكومة أغلبية جزئية تجبر الآخرين على المعارضة، وتوافق شامل يجمع الخاسرين بالفائزين، باعتبار «الوزن السياسي»، وربما الميليشياوي، من دون اعتبار الوزن بالمقاعد.
وكلا الفرضيتين تخلو من الضمانات السياسية لتنفيذها. وبعد أن تراجع الصدر عن حكومة الأغلبية، طرح فكرة «الأغلبية الطولية»، التي تستند أساساً على شقّ صفوف الخاسرين. إنها فرصة الصدر التي يريد تطويرها وتقويتها للتخلص من خصومه، الذين يصفهم بالميليشيات الوقحة. ويقول مصدر مقرب من أجواء الصدريين، إن الصدر «لن يمانع التحالف مع أطراف في الإطار، شريطة أن يكونوا تحت مظلة هادي العامري»، هذا الأخير خسر كثيراً في الانتخابات، وعالق الآن في معسكر يهدد ويصعد.
أجواء الصدريين أيضاً، الصامتة منذ أسابيع، ودفع الآخرين إلى كشف أوراقهم، تفيد بأن المالكي – إن تخلى عن حركة العصائب وبقية الفصائل – سيكون طرفاً في المعادلة. المالكي، هذه الأيام، يحتاج الفصائل، ولا يتفق معها. لكن الصدر لا يمتلك هذه الأريحية، ليفوز بأغلبية حكومية «تأمن شر المعارضة»، فأقرب حلفائه تكبد خسارة صادمة أخرجته من اللعبة. عمار الحكيم بمقعدين فقط لا يسمح للصدر بالحصول على رافعة سياسية تضمن التوازن الشيعي، وتطمئن إيران في الوقت نفسه.
في هذه الحالة، لا يمكن للصدر التفاوض منفرداً مع الكرد والسنة. هذان المكونان يريدان الحضور في بغداد بتحالفات جامعة. زعيم «حزب تقدم» محمد الحلبوسي تحالف مع خصمه زعيم «تحالف عزم» خميس الخنجر، لضمان أريحية سنية، وحزب بارزاني يريد ظهيراً كردياً قريباً من إيران، كالاتحاد الوطني، على علة قادته المسممين. يبقى أن يراهن الصدر على نفاد صبر الإطار التنسيقي، وتركه يتفكك ذاتياً. المصادر المتقاطعة تفيد بأن المجتمعين على معارضة نتائج الانتخابات يواجهون غياب الثقة فيما بينهم، ويتوجسون من أن يقفز أحدهم من السفينة الغارقة. الصدر، في هذه الحالة، يوفر الوقت انتظاراً للهاربين من الغرق. لكن الاستهانة بقدرة الإطار التنسيقي على النجاة لن تكون واقعية. نحن أمام جماعة سياسية تواجه مصير الحياة أو الموت. ويقول قيادي في حركة «حقوق»، التي تمثل «كتائب حزب الله»، إن الأزمة لا تتعلق بعدد المقاعد، بل بالحياة السياسية برمتها.
والحال أن الأداء السياسي للفصائل يبطن ردود أفعال أشد مستقبلاً في حال تأكد من غرق السفينة. الأسبوع الماضي تحدث مصدر رفيع عن مخاوف من تحركات انقلابية مع اقتراب موعد المصادقة على نتائج الانتخابات.
لكن هذه التصريحات قد تكون جزءاً من حرب نفسية تمارسها الفصائل للضغط على مؤسسة الانتخابات والقضاء لإجراء تعديلات على الأوزان الانتخابية، وقد يحدث هذا.
في الأمتار الأخيرة من سباق المصادقة، يحاول المعسكران الصمود وتقديم الحد الأدنى من التنازلات، بانتظار جولة أخرى من المفاوضات التي تسبق تشكيل الحكومة.