طرحت نتائج دراسة حديثة لباحثين من المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC) موضوع المعاناة التي قد تصيب مقدمي الرعاية الصحية المنزلية (Caregiver) الذين يقومون بتقديم الرعاية والمساعدة بنشاط، وبشكل يومي، لشخص آخر في حاجة إليها، مثل أحد الوالدين الكبار في السن أو كليهما، أو الزوجة أو الزوج المريض، أو الطفل المصاب بإعاقة، أو القريب المتقدم في العمر.
وتأتي أهمية الموضوع نتيجة انتشار تقديم الرعاية المنزلية في المجتمعات المختلفة، حيث قال الباحثون: «ما يقرب من 20 في المائة من البالغين في الولايات المتحدة هم مقدمو رعاية غير مدفوعة الأجر لأحد أفراد الأسرة أو الأصدقاء الذين يعانون من حالة صحية أو إعاقة، وهذا ما قد يؤثر سلباً على الصحة البدنية والعقلية لمقدمي الرعاية تلك».
معاناة مقدمي الرعاية
وأيضاً، كما يذكر أطباء «مايو كلينك»، فإن نحو 1 من كل 3 أفراد في الولايات المتحدة يقدم الرعاية للبالغين الآخرين بصفته مقدم رعاية غير رسمي. ووفق ما تم نشره ضمن تقريرها الأسبوعي حول المراضة والوفيات (Morbidity and Mortality Weekly Report) في 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، أفاد الباحثون بأن مقدمي الرعاية المنزلية تلك معرضون بشكل أكبر للمعاناة من تدهور القدرات الذهنية، خاصة حالة (SCD) التي تتمثل في: الإبلاغ الذاتي من الشخص عن معاناته خلال العام المنصرم من تفاقم الارتباك الذهني أو فقدان الذاكرة لديه، قياساً بما كان يقيم به نفسه من قبل.
والواقع أن تقديم الرعاية لأحد أفراد الأسرة المسنين، أو الذين لديهم أمراض مزمنة مقعدة، هو بالفعل أمر مرهق، حتى بالنسبة لأكثر الأشخاص قدرة على التحمل. لذا، يجدر بمقدم تلك الرعاية اتخاذ الخطوات اللازمة لحماية صحته وعافيته بالدرجة الأولى، وعدم تسبب تلك الرعاية بأي اضطرابات في واجبات المرء تجاه أسرته وأطفاله ومتطلبات عمله الوظيفي.
وفي الدراسة الحديثة، قام الباحثون بتتبع مقدمي الرعاية الصحية المنزلية الذين تتعدى أعمارهم 45 سنة في 22 ولاية أميركية، وذلك خلال فترة 4 سنوات. وقال الباحثون: «يمكن أن يؤثر تقديم الرعاية بشكل سلبي على الصحة البدنية والعقلية لمقدمي الرعاية. وقد أبلغ واحد من كل 8 تقريباً عن حالة التدهور المعرفي الذاتي».
ويوضح أطباء كلية طب هارفارد مزيداً عن هذا الجانب بقولهم: «يمكن أن يكون تقديم الرعاية لأحد أفراد أسرتك مرهقاً جسدياً وعاطفياً، ويمكن أن يؤدي تقديم الرعاية إلى ضغوط إضافية، مثل الإجهاد المالي والصراع الأسري والانسحاب الاجتماعي. وبمرور الوقت، يمكن أن يؤدي إجهاد مقدم الرعاية إلى وصوله إلى حد الإرهاق (Burnout)، وهي حالة تتميز بالتهيج، والتعب، ومشكلات النوم، وزيادة الوزن، والشعور بالعجز أو اليأس، والعزلة الاجتماعية». واستطردوا موضحين: «يُعد إرهاق مقدم الرعاية مثالاً على كيفية إضرار التعرض المتكرر للإجهاد بالصحة العقلية والجسدية، إذْ يؤدي الإجهاد المزمن إلى إطلاق هرمونات التوتر في الجسم، مما قد يؤدي إلى الإرهاق، والتهيج، وضعف جهاز المناعة، واضطراب الجهاز الهضمي، والصداع، والآلام، وزيادة الوزن. وجسمك لديه طريقة طبيعية لمكافحة التوتر، ويُطلق على نظام مكافحة الإجهاد (استجابة الاسترخاء) التي ينظمها الجهاز العصبي السمبتاوي. ويمكنك تنشيط استجابة الاسترخاء عن قصد، من خلال ممارسات العقل والجسم، مثل اليوجا والتاي تشي والتأمل وتقنيات الاسترخاء العميق».
وبشكل خاص، قد تتطلب رعاية الأقارب المصابين بألزهايمر أو الخرف المرتبط به عزماً وصبراً أكثر مما يتخيل بعضهم، كما يذكر أطباء الأعصاب في «مايو كلينك»، ويضيفون: «عندما تهتم بشخص مصاب بألزهايمر، فكر في استراتيجيات عملية للتواصل معه والحفاظ على سلامته. وفي الوقت نفسه، عليك أن تُدرك التحديات التي تواجهها. وبصفتك مقدم رعاية، من المهم أيضاً أن تتذكر احتياجاتك الخاصة؛ اطلب المساعدة عندما تحتاج إليها، وانتبه إلى العلامات التحذيرية التي تشير للإصابة بإجهاد مقدمي الرعاية».
التعامل مع الإجهاد
وهناك 6 خطوات للتعامل مع إجهاد تقديم الرعاية لكبار السن. ويذكر أطباء «مايو كلينك» أن عدم الاعتناء بنفسك سوف يجعلك غير قادر على الاعتناء بأي شخص آخر. ومما يساعد على التعامل مع إجهاد مقدمي الرعاية:
– تقبل الرعاية. استعد بتحضير قائمة تشمل جميع السبل التي يمكن من خلالها الحصول على مساعدة الآخرين، ودع الشخص المساعد يختر ما يود فعله.
– ركز على ما أنت قادر على تقديمه. من الطبيعي أن تشعر بالذنب أحياناً، ولكن عليك أن تدرك أنه لا يوجد مقدم رعاية «كامل»، وثق في أنك تستطيع القيام بأقصى ما في إمكانك واتخاذ أفضل القرارات التي يمكنك اتخاذها في وقت ما.
– ضع أهدافاً واقعية. جزئ المهام الكبيرة إلى خطوات أصغر حتى يمكنك القيام بكل خطوة على حدة في كل مرة، وحدد الأوليات وأعد قوائم بها، وضع روتيناً يومياً. وابدأ برفض تلبية طلبات تستنفد كل طاقتك، مثل إعداد وجبات الضيافة في العطلات.
– تعاطف مع نفسك. التعاطف مع الذات ضروري للعناية بالنفس. وقد تشعر بالذنب أو الأنانية لاهتمامك باحتياجاتك الخاصة، ولكن ما تحتاج إلى معرفته هو هذا: في الواقع، تتيح ممارسة الرعاية الذاتية لمقدم الرعاية أن يظل أكثر توازناً وتركيزاً وفاعلية، مما يساعد منْ تقوم برعايته في نهاية الأمر.
– تناول الأكل الصحي. اجعل من أولوياتك الحصول على تغذية جيدة، فمن السهل أن تنسى وجبات طعامك الصحية واحتياجاتك الشخصية الأساسية عند محاولة المساعدة، والتغذية الصحية الجيدة عامل مهم لمنع الإرهاق.
– اهتم بنومك. يعاني كثير من مقدمي الرعاية من مشكلات في النوم، حيث يمكن أن يتسبب عدم الحصول على قدرٍ كافٍ من النوم على مدى فترة طويلة من الزمن في مشكلات صحية. إذا كنت تعاني من مشكلة في الحصول على نوم هانئ في أثناء الليل، فتحدث إلى طبيبك.
8 علامات تدل على إجهاد مقدم الرعاية المنزلية
> لا يخلو توفير الرعاية من فوائد ومنافع تعود على مقدميها. وبالنسبة لمعظم مقدمي الرعاية، فإن وجودهم عندما يحتاج إليهم أحد أحبائهم يعد قيمة أساسية وشيئاً يرغبون في تقديمه. ولكن في الوقت نفسه، من الطبيعي أن يشعر مقدم الرعاية بالغضب أو الإحباط أو الإرهاق أو الوحدة أو الحزن.
يقول أطباء «مايو كلينك»: «بصفتك مقدم رعاية، قد ينصب تركيزك على شخص عزيز عليك، بحيث لا تدرك معاناتك الصحية ولا تنعم برفاهية؛ تنبه إلى العلامات التالية الدالة على إجهاد مقدمي الرعاية:
– الشعور بالضعف أو القلق المستمر.
– الشعور بالتعب في أغلب الأحيان.
– الحصول على قسط كبير من النوم أو عدم النوم الكافي.
– زيادة الوزن أو فقدانه.
– سرعة الهياج أو الغضب.
– فقدان الاهتمام بأنشطة كان يُستمتع بها سابقاً.
– الشعور بالحزن.
– نوبات متكررة من الصداع أو الألم البدني أو مشكلات بدنية أخرى.
– استشارية في الباطنية