أزمة ثقة صفحات جبال الجهل المكومة:
كل يوم أتساءل مادمت أحب هذا الوطن بهذا الشكل لما لا أبحث عن حبر يليق به، حينها جبت الصحراء ولامست جدران الأزقة التي تنظر إليا بإستغراب وتهت في ثناياها التي تتباها بجمالها بلا خجل ولكن في صوتها غصة ،لم أغفى حينها أو ربما غفوت على سفر وأنا في درب الآلام إختطفني ناس صم وعميان الذين ظلوا كرمال الصحراء المتطفلة على الشوارع المأهولة!
في درب الآلام من و إلى، ماهية الجنة في وطني الحزين الطَليح مُقْتَطِف بُدونِ دبَّ بالمهشم فيه، يهرب الحب والسلام مَرْعُوبا من زحام شوارعه و سخام الأحياء الخائفة ليحتمي بأشجار الأكاسيا التي تبخترت جذورها عبر جدران أجسادنا، فتبتسم وجوه و تعبس و معها تمتلئ القلوب بالأمل ثم تنطفئ و تصمت ميتة لإنعدام السبيل إليهما وهو الثقة، فتختفي في كواليس المكان تستمترئ عذابات المنتظرين الحالمين بزرعها من جديد في الأنفس، البيوت، الشوارع، لكن كانت تلك الثقة تباغتهم بلعنات قاسية ، توزع اللعنات على شكل أحكام عبثية مستبدة، و تتبختر كطواويس فوق أجساد المرضى والشيوخ و النساء و الأطفال و الحقائب و الكرامة المطحونة و أكوام من أسئلة تفتش عن أجوبة زعزعت الثقة في المجتمعات و في عالم سريع التغير وشديد التعقيد بسبب إهمال البناء الروحي لها الذي يعزز الأنظمة، حيث لا تقوم الروابط ولن تعبق شذا المحبة والانسجام بين أفرادها إلا في إطار من الثقة، فهي التي تبني كل العلاقات، و نحن الآن في أمس الحاجة لنمتلك عجلة القيادة التي صارت تسير بركود، وأنتجت ظاهرة انتشار الشلل من داخل انفسنا بيوتنا و مؤسساتنا و صارت سرطانات مجتمعية قاتلة، إهتزت الى حد بعيد في واقع لا يمتنع عن الإِنْحِطَاط يوماً فيوما، وإن هذه المشاعر ليست وليدة الفراغ بل هي انكسار الروح وانكسار الوعي وانتظارٌ أبله لا حدود لزمنه.
فهل فجوة الثقة التي نعاني منها كانت وليدة اللحظة، وسببها الأسرة التي كانت وكيلة المجتمع وأول المؤسسات التنشيئية لنماذج الأفراد التي لا بد أن تكون تستند الى القيم الدينية والاخلاقية والاجتماعية، أو كانت أزمة خلقت نتيجة تَكَدسَات على مر السنين ومر الحكومات المتتالية و كثرة الإلتزامات غير الصادقة وغياب منظومة القيم والأخلاق وعدم وجود الوازع الديني في التعامل وترسيخ قيم المواطنة بين مواطنيها، مما جعلنا نفتقد الثقة في كل شيء وأي شيء، في أنفسنا وفي حكامنا ونظمنا، فلا بد من عودة الوعي بذاتنا و بالزمن وبما يحدث حولنا من متغيرات وأن نملأ الفراغ بين المجتمع والسلطة الحاكمة و نكف عن الجلوس نطرطق عظم أرجلنا.