لعل المتابع للأزمة السياسية في السودان يدرك تماماً أنها لم تكنْ وليدة الـ 25 من أكتوبر، حين أعلن القائد العام للجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان حل مجلسي السيادة والوزراء، وفرض حالة الطوارئ في البلاد.
فتلك الإجراءات سبقتها إخفاقات سياسية متتالية لقوى الحرية والتغيير، حاضنة حكومة رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك.
إذ أدت تلك الإخفاقات وبشهادة الحرية والتغيير نفسها لتشظٍ وانقسامات داخل الكتلة.
ما دفع أحزابا مؤثرة بصورة كبيرة على المشهد في البلاد، للخروج منها بلا عودة كالحزب الشيوعي السوداني، تبعته كيانات قادت الثورة السودانية التي أطاحت بنظام عمر البشير عقب 3 عقود من الحكم، كتجمع المهنيين السودانيين.
إلا أن تلك القوى لم تتدارك الموقف، رغم إحساسها بالخطر فازدادت الانقسامات، وكان خروج كتلة نداء السودان بمثابة الشعرة التي قصمت ظهر البعير، لاسيما أن تلك الكتلة ضمت أحزاباً ذات ثقل شعبي كحزب الأمة (عاد لاحقاً للحرية والتغيير) وفصائل الجبهة الثورية "الحركات المسلحة"، ولم يتبقَ من الحرية والتغيير سوى 4 أحزاب فقط.
ميثاق سياسي
لاحقا طرحت تلك الأجسام المنشقة عدة مبادرات، تكللت بتشكيل آلية لإصلاح قوى أو تجمع الحرية والتغيير.
إلا أن تلك المكونات التي انشقت رأت أن المجلس المركزي للحرية والتغيير اختطف هذه الآلية، فوقعت ميثاقاً سياسياً دعت فيه إلى لم الشمل والعودة لمنصة تأسيس الحرية والتغيير، في محاولة منها لتوحيد الكتل السياسية وتوسيع المشاركين، بحسب ما أفاد قادة هذا التحالف، مطلقة على هذا الجسم الوليد اسم "الحرية والتغيير الميثاق الوطني" .
فيما رفضت قوى الحرية والتغيير تلك الخطوة، على الرغم من تواجد البعض من قيادات أحزابها لحظة إعلان هذا الجسم الوليد العام الماضي.
كل يدعي أنه الأصل
هكذا أضحى للحرية والتغيير جسمان، الأول معرف بالمجلس المركزي والآخر بالميثاق الوطني، يدعي كل منهما أنه الأصل.
هكذا انسحب انقسام هذه القوى لجناحين، على رؤيتهما أيضا للحلول في البلاد.
ففيما يلخص "المجلس المركزي " الأزمة في إجراءات الـ 25 من أكتوبر، معتبرا أنها السبب الأساسي للمأزق الحاصل في البلاد، وأن الحل يكمن بالتالي في التراجع عنها وإزاحة القوات المسلحة من المشهد السياسي. يرى جناح الميثاق المشكلة في مكان آخر.
إبعاد المكون العسكري
وفي السياق، رأى مصباح أحمد، القيادي بحزب الأمة القومي وقوى الحرية والتغيير المجلس المركزي لـ العربية.نت أن إجراءات 25 من أكتوبر تسبب بالأزمة الحاصة في البلاد، وعقدت المشهد السياسي".
كما اعتبر أن المدخل لحل هذه الأزمة هو إبعاد القوات المسلحة عن المشهد السياسي وعودة الحكم المدني بصورة كاملة".
وقال "بدون إسقاط إجراءات 25 أكتوبر وعودة الحكم المدني لا يمكن حدوث انفراج في المشهد".
أما عن الشراكة مع المكون العسكري، فقال إن "الحرية والتغيير لا ترى جدوى من الشراكة مع العسكريين وتعتبرها غير ممكنة"، إلا أنه لفت إلى امكانية مناقشة دور العسكريين في تأمين الفترة الانتقالية.
اجتماع كل المكونات
في المقابل، رأت مجموعة الميثاق الوطني أن الأزمة أزمة حُكم في الأساس، وهي أزمة سياسية تستدعي جلوس جميع مكونات المجتمع السوداني على مائدة حوار.
وقال القيادي بالميثاق الوطني المهندس مبارك أردول لـ العربية.نت حل: "الأزمة يكمن في جلوس جميع المكونات للحوار دون إقصاء، بما في ذلك النازحون واللاجئون والسودانيون في المهجر ورجال الطرق الدينية والكنائس، وقصر هذا التوافق على إدارة ما تبقى من الفترة الانتقالية دون تمديد لإنهاء حالة الحكم بدون تفويض شعبي"، على حد تعبيره.
المبادرة الأممية
أما في ما يتعلق بالمبادرة الأممية التي أطلقت الأسبوع الماضي، فقد الجسم المركزي للحرية والتغيير مبدئيا بها.
وقال مصباح: "رحبنا بها ترحيباً حاراً لأنها تحوي ما طرحه حزب الأمة القومي في خارطة الطريق التي قدمها سابقا، ألا وهو الجلوس على طاولة مستديرة للحوار، دون أجندة محددة للتفاوض حولها".
انتخابات في موعدها
بدورها أبدت مجموعة الميثاق الوطني، ترحيبها بالمبادرة من حيث المبدأ، شريطة ألا تطيل الفترة الانتقالية، وأن تكون شاملة وتوصل البلاد للانتخابات في موعدها المحدد.
وشدد آردول على أهمية وجود الاتحاد الإفريقي طرفاً أيضا في المبادرة حتى لا يبتعد السودانيون عن القارة الإفريقية. وقال للعربية.نت "إن المشاكل الإفريقية حلولها يجب أن تنبع من إفريقيا، وبعد ذلك يتبناها المجتمع الدولي.
كما أضاف أن السودان يثق في الاتحاد الإفريقي وهو عضو فيه كما يثق في الأمم المتحدة وهو كذلك عضو فيها.
في ظل كل هذه التجاذبات لا تزال البلاد تعيش موجة من الاحتجاجات، تقودها لجان المقاومة وترفع شعارات رافضة للشراكة مع العسكر في حكم البلاد.
فرغم كافة المبادرات السياسية، أوضحت أنها ماضية في إعداد ميثاقها السياسي لتطرحه على القوى السياسية.
فيما يرى محللون أن المبادرة الأممية يمكن أن تحقق الاختراق المطلوب في الأزمة السياسية في السودان، وتفضي لتوافق يعيد الحياة السياسية إلى مسارها الديمقراطي الطبيعي.