وطني البيت العتيق:
مهبط رسل الانتماء و إن بات ركاما !
شمائل تسري إذا بخل الزمان و به سحاب الجود تتمول له قداسته واحترامه و عشقه و فيه لا زالت الذكريات ملتهبة عبر شبابيكه المتهالكة تبادلنا أولى الكتب المحظورة و روايات الحب و تعلمنا حروف الأبجدية هو العنوان الأول لرسائل أول قُبلَة وهو قِبلَة للضابط وشهيد والغريق وحريق و لجنود الإحتلال ومن بوابته المشرعة دوما بدأت تجارب التحقيق القاسي و السجن و المنفى والاغتراب و الموت والحرية وسلام وتحت قرميده الملون بسواد النار و ببخار وابور الجاز أرضعتنا الأم لبن الحب بالشِدَّة ملجم و أَنَفَة لا تهمل وعلى كتفها أطناب المَحَاسِن ترخى و في طين أرضيته المتشققة أخفينا خنجرا و بندقية هي كل ما ورثناه من انكسار مؤقت للأب ، في البيت الأول القديم تشكلنا و نمت في قلوبنا زنابق الحب للفقراء و المسحوقين و في عقولنا كبرت إرادة الثورة و النزوع نحو التغيير، ذلك البيت الأول العتيق ومهما هجره سكانه و عربد فيه الفراغ ومهما داهمه الغرباء و مهما اهترأت جدرانه بفعل عوامل التعرية البشرية و الطبيعية و نهش الصدأ أبوابه و نوافذه، و نبحت حوله كلاب الليل الضالة و استوطنته قطط الشوارع، ومهما رمقته العيون من خلف ستائر البيوت والقصور الفخمة بحقد و شماته و رأته فائضا لا معنى لوجوده يبقى ذلك البيت العتيق عنوانا للهوية و منبعا لشلال الكرامة يبقى مزارا لمن ضل الطريق و فقد البوصلة بل ربما يكون آخر جدار يمكنه أن يستر عوراتنا جميعا ،فكل القصور التى باغتتنا أخيرا كنبت شيطاني هي قصور من وهم شيدت من ديدان و ورق أسود.
بقلم مريم عرجون