أثارت كلمة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال لقائه بسفراء دول الاتحاد الأوروبي في العاصمة أنقرة الأسبوع الماضي، الكثير من التساؤلات حول العلاقات التركية ـ الأوروبية التي مرّت بمراحل كثيرة كانت أبرزها مع وصول حزب "العدالة والتنمية" الحاكم الذي يقوده أردوغان إلى السلطة في البلاد العام 2002.
فقد اتهم أردوغان الاتحاد بـ"قصر النظر الاستراتيجي"، وطالبه بالتخلي عن تصرفاته والعمل على تطوير العلاقات مع تركيا، وتفادي تخريبها، وفي الوقت نفسه دعا إلى الاستثمار وإبرام الاتفاقيات.
الاستثمار أم الانضمام؟!
وتعليقاً على ذلك، أوضح بلال سامبور، الأكاديمي والأستاذ الجامعي التركي، أن تركيا تلقي باللوم على الاتحاد الأوروبي بسبب توترات العلاقة بين الطرفين، في حين يحاول أردوغان إقناعها بضرورة الاستثمارات الاقتصادية المتبادلة.
واعتبر أن أنقرة ترغب فقط في جذب المستثمرين الأوروبيين إليها ولا تهتم كثيراً بعملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
وأضاف الأكاديمي والمحلل السياسي لـ"العربية.نت" أن بعض دول الاتحاد الأوروبي مثل ألمانيا تربطها مصالح اقتصادية وتجارية قوية مع تركيا، ولذلك لا يمكن اعتبار الاتحاد الأوروبي ككل شريكا استراتيجيا بالنسبة إلى أنقرة، وهو ما أدى فعلياً إلى تجميد المفاوضات التركية ـ الأوروبية بشأن انضمام أنقرة إلى الاتحاد.
أنقرة عملت على ابتزاز أوروبا بورقة اللاجئين
ويتفق سامبور مع خورشيد دلي، الباحث في الشؤون التركية حول استخدام تركيا لملف اللاجئين الذين يدخلون عبر أراضيها إلى دولٍ أعضاء في الاتحاد الأوروبي، بهدف "استفزاز" بروكسل، واستعمال هذا الملف كورقة ضدها، إلا أنه شدد على أن بروكسل لم تعد تخشى سياسة الابتزاز التركية بخصوص مسألة المهاجرين رغم أنها كانت أداة قوية في التقارب بين الجانبين سابقاً.
وأشار إلى أن تركيا كان لديها تصوّر مسبّق بشأن قضية اللاجئين، وقد استغلتها كثيراً منذ بداية الأزمة السورية، ونجحت من خلالها بابتزاز الاتحاد الأوروبي الذي أُجبِر على توقيع اتفاقية مع أنقرة بموجبها حصلت الأخيرة على مبالغ ضخمة من بروكسل بعدما تساهلت السلطات التركية بتدفق اللاجئين على الحدود الأوروبية، حيث أثار ذلك مخاوف بروكسل على أمنها، وهو ما أرغمها على توقيع تلك الاتفاقية في نهاية المطاف.
3 مراحل للعلاقات بين الطرفين
وقال الباحث في الشؤون التركية لـ"العربية.نت" إن أردوغان اتهم في تصريحاته الاتحاد الأوروبي مؤخراً بتجاهل تحسين العلاقات مع بلاده، لكن هذه التهمة في الواقع كانت أشبه بمحاولة لجلب التعاطف الأوروبي مع أنقرة، خاصة أنها تتزامن مع أزمة العملة التي تعاني منها الليرة التركية لاسيما مع هروب الاستثمارات ومعظمها أوروبية من الأراضي التركية نتيجة ذلك.
وبحسب دلي، فقد مرّت العلاقات التركية ـ الأوروبية بثلاث مراحل منذ وصول حزب "العدالة والتنمية" إلى السلطة، وامتدت الأولى منها بين عامي 2002 و2007، وهي الفترة التي حاولت فيها أنقرة أن تتماهى مع المعايير الأوروبية لنيل عضوية الاتحاد، لكن تبيّن لاحقاً أن تلك الترتيبات كانت تتمّ لإعادة هيكلة المؤسسات التركية بما في ذلك العسكرية، لتصبح أخيراً تحت إمرة أردوغان، على حدّ تعبيره.
أما الثانية، فقد بدأت بين أواخر عام 2007 وحتى عام 2012، بحسب الباحث في الشؤون التركية الذي يعتبر أن هذه المرحلة كانت بمثابة مراجعة للعلاقات بين الجانبين وهي التي ساهمت في فتح أبواب محادثات العضوية الأوروبية أمام أنقرة دون أن تحقق هذا الهدف، لتبدأ بعد ذلك المرحلة الثالثة في العلاقات بين أنقرة وبروكسل مع اندلاع الاحتجاجات الشعبية في عددٍ من الدول العربية مطلع العقد الماضي.
وتابع في هذا الصدد أن هذه المرحلة بدأت تحديداً بعد العام 2012، حيث أدار أردوغان ظهره للاتحاد الأوروبي بعد ظهور مشاكل كثيرة مع بروكسل، وحينها بدأ يبحث عن مصالحه الخاصة بذريعة الأمن الإقليمي والقومي وإعادة العثمانية الجديدة، ومن ثم تحرّك عسكرياً في سوريا والعراق وليبيا وصولاً إلى التصعيد في شرق البحر الأبيض المتوسط، وهو ما أشعل الخلافات مجدداً على نطاقٍ أوسع مع الدول الأوروبية، وبالتالي فشل مساعي الانضمام إلى الاتحاد، وفق قوله.
أزمة قبرص والتنقيب هي الأعمق
وعلاوة على التنقيب التركي عن الغاز في جزرٍ تقع شرق المتوسط في مناطق متنازع عليها بين تركيا واليونان وقبرص، أشار محلل سياسي آخر إلى الأزمة القبرصية كسببٍ رئيسي للتوترات بين أنقرة وبروكسل.
وقال المحلل السياسي التركي موسى أوزوغورلو المختص بالشؤون الدولية، إن لدى تركيا مشاكل مع الاتحاد الأوروبي خاصة فيما يتعلق بالأزمة القبرصية، إذ تطالب أنقرة بإقامة دولتين في الجزيرة، لكن بروكسل لا توافق على ذلك وهذه نقطة خلاف كبيرة بين الجانبين، ويضاف إليها مسألة اللاجئين وتطبيق تركيا للمعايير الأوروبية بما في ذلك الديمقراطية.
وأضاف لـ"العربية.نت": "على الرغم من أن أردوغان يقول إن بلاده التزمت بكل الشروط الأوروبية لانضمامها للاتحاد الأوروبي، إلا أنه في واقع الأمر هو لم يفعل ذلك، خصوصاً فيما يتعلق بمسألة مكافحة الإرهاب والديمقراطيات وقوانين حقوق الإنسان، التي تكاد تختفي في البلاد لاسيما المتعلّقة بحقوق الأقليات الدينية والمساواة بين الرجال والنساء.
وتابع أن المفاوضات بين أنقرة وبروكسل سوف تتواصل بلا شك، فكلاهما يحتاجان لبعضهما بعضا، ولدى كل جانب أسلحة يستخدمها ضد الآخر، فعلى سبيل المثال تستخدم أنقرة ورقة اللاجئين، بينما تلوّح بروكسل دائماً بمسألة الحريات.
أردوغان يأمل بإعادة العلاقات
يذكر أن الرئيس التركي كان أعرب، الخميس الماضي، عن أمله في أن يطور الاتحاد الأوروبي علاقاته مع بلاده خلال العام الجاري، مؤكداً على ضرورة الحيلولة دون تخريب العلاقات التركية ـ الأوروبية بالاختباء وراء ذريعة التضامن داخل الاتحاد، في إشارة منه إلى رفض عواصم أوروبية لإقامة دولتين في قبرص وفق مقترحٍ تركي.
كما رأى أردوغان أن تركيا دولة محورية في التغلب على التهديدات التي يواجهها الاتحاد الأوروبي، وذلك في كلمةٍ له خلال لقاءٍ مع سفراء دول الاتحاد الأوروبي في قصر تشانقايا بالعاصمة أنقرة، قبل أيام، تطرّق فيها أيضاً لمسألة اللاجئين ودور بلاده في هذا الملف.