يتذكر الكويتيون جيداً الفيديو الشهير الذي ظهر للرئيس التنفيذي لمجموعة الشايع John Hadden في بداية أزمة كورونا، وبدا فيه كئيباً ومتحدثاً عن تراجع تاريخي لإيرادات المجموعة في فترة قصيرة اقتربت من 100%.
قال الرئيس التنفيذي حينها: "خلال شهر مارس 2020، أعلنت الحكومات عن إغلاق أسواقها بسبب كورونا، واليوم أقل من 5% من محلاتنا مفتوحة، وتقلصت إيراداتنا بـ95% بينما لا نزال نتحمل التكاليف نفسها".
هذا الفيديو الموجّه للموظفين، والذي انتشر في الكويت وقتذاك، خصوصاً بعد أن تسرّبت أخبار طرد نحو 15 ألف موظف، كان أول إشارة عن ضربة عميقة أصابت مجموعة الشايع، إحدى أقدم المجموعات العائلية الكويتية، والتي ظلت متماسكة لأكثر من قرن من الزمن.
لكن كورونا لم يرحمها، كما لم يرحم شركات التجزئة والعقارات، وهما قطاعان تتركز فيهما أعمال مجموعة الشايع، ففي العقار هناك مجمع الأفنيوز الشهير بالكويت، حيث تراجعت أرباح الشركة الأم "المباني" بأكثر من 60% في 2020، وعادت أرباحها لمستويات العام 2014، وفي التجزئة لديها علامات تجارية مهمة، على رأسها ستاربكس وH&M و The Body Shop وCheesecake Factory.
لكن جوهرة كل هذه العلامات هي "ستاربكس"، الأقل تأثراً بأزمة كورونا نظراً لقوة العلامة والطلب عليها. لذلك كانت الحصان الرابح للمجموعة لبيعها وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من آثار كورونا، بحسب مصادر لـ"العربية"، وهنا بدأت مجموعة الشايع بالبحث عن مشترين.
في نوفمبر من العام الماضي، ظهر خبر على "بلومبرغ" يقول إن مجموعة الشايع عيّنت "جي بي مورغان" للبحث عن مشتريين محتملين لحصة أقلية في امتياز ستاربكس، الذي يبدو أن المجموعة فصلته عن باقي العلامات التجارية في شركة خاصة أو ما يسمى استثمارياً Carve-Out.
يغيب "جي بي مورغان" ثلاثة أشهر، ثم يظهر أمس خبر آخر مسرّب لوكالة "بلومبرغ" أيضاً يقول إن هناك مشتريين من صناديق استثمارية خليجية هي صندوقا مبادلة وأبوظبي التنموية القابضة التابعين لحكومة أبوظبي، وصندوق الاستثمارات العامة السعودي، وهناك أيضاً شركتان للاستثمارات الخاصة هما سي.في.سي كابيتال بارتنرز وبروكفيلد مهتمتان بالشراء.
مشكلة التقييم
لكن تظهر المشكلة في التقييم، فـ"الشايع" تضع تقييماً "مبالغاً فيه" عند 15 مليار دولار بحسب "بلومبرغ"، مقابل تقييمات عند 11 مليار دولار للأطراف المهتمة بالشراء. أضِف إلى ذلك أن مجموعة الشايع تريد الاحتفاظ بحصة مسيطرة، حيث تنوي بيع نحو ثلث ملكيتها في "ستاربكس الشايع".
قال مصرفيون كويتيون لـ"العربية"، إن تقييم الشايع "المبالغ فيه"، يُفسر أن المجموعة تريد سيولة تقارب الخمسة مليارات دولار، وهي سيولة ضخمة، تحتاج لصفقة من صناديق سيادية لديها "الكاش"، وشركات استثمار خاصة متخصصة في تقييم مثل هذه الصفقات، في وقت لا يبدو سهلاً على مجموعة الشايع الحصول على قروض إضافية لتمويل احتياجاتها وتوسعاتها.
مشاكل عائلية
في الواقع تعيش معظم الشركات الكويتية العائلية أزمات في السيولة والإدارة، وكانت مجموعة الشايع الأنجح بينها في الإدارة، وبحكم عملها في التجزئة بأكثر من 70 علامة تجارية، كانت لديها سيولة دائمة. لكن أزمة كورونا باغتت المجموعة التي انقلب نموذجها الناجح إلى "ورطة".
فقبل كورونا، ارتكز نموذج مجموعة الشايع على أمرين: الأول بدأ منذ عام 1999 بالحصول على امتياز ستاربكس العالمي، الذي توسعت فيه الشركة في 14 سوقاً ونجحت نجاحاً باهراً. والثاني بدأ بعد ذلك بفكرة بناء مول الأفنيوز الذي افتتح عام 2007، ليصبح سوقاً ضخمة متكاملة، ويتم من خلالها عرض العلامات التجارية للمجموعة نفسها، مع التحكم بإيجارات المتاجر للمستثمرين الراغبين بعرض منتجاتهم في المول.
ضربة للنموذج
بسبب هذا النموذج، يرى محللون أن مجموعة الشايع تأخرت في تحويل أعمالها أونلاين، لأن هذا التحول يضرب فعلياً البزنس التقليدي لديها. وعندما جاءت كورونا، وجدت المجموعة نفسها أمام معضلة كبيرة، فمن ناحية لديها التجزئة، ومن ناحية أخرى العقار، حيث تم إغلاق 95% من متاجر المجموعة، وتورطت بوجود نحو 60 ألف موظف لديها، إضافة للإيجارات والمصاريف.
وتحركت المجموعة سريعاً بطرد الموظفين لتخفيض المصاريف، لتستقر الآن على حجم عمالة بما بين 45 ألفا و 50 ألف موظف. لكنها ظلت عالقة في حجم المتاجر البالغ عددها نحو 4 آلاف متجر، حيث تغيّرت عادات المستهلكين بعد كورونا ليصبح الطلب أونلاين هو الغالب على اتجاهات الشراء، وبرزت أسماء كثر لمنافسين لعلامات المجموعة التي أغلقت البعض منها.
وحدها "ستاربكس" نجت من كل ذلك، فرغم تأثرها بالإغلاق حيث لدى المجموعة نحو 1750 متجراً في كل أسواقها، إلا أن الطلب عليها مستمر، فهي تتميز بالجمع بين ثقافة المكان وتجربة القهوة، لذا فإن نموذجها التقليدي ناجح، وهو على ما يبدو المطلوب وحده لدى المستثمرين بين كل ما تملكه "الشايع"، علماً أن "ستاربكس" الأم لا تعطي امتيازات احتكارية.