لا يختلف اثنان على أن أزمة موسكو مع جارتها الغربية أوكرانيا، لا تقتصر على سعي الأخيرة للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي.
فمن ضمن أكبر المخاوف التي تؤرق الرئيس فلاديمير بوتين، توسع الحلف والولايات المتحدة أيضا عسكريا في دول تحيط بروسيا، سواء في إستونيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا، على الرغم من تأكيد الناتو مرارا أن سياساته دفاعية وليست هجومية.
ففي بولندا على سبيل المثال، تقبع في إحدى الغابات المسيجة منشأة عسكرية أميركية شديدة الحساسية، من المتوقع أن يبدأ تشغيلها هذا العام (2022)، وسط إصرار واشنطن على أنها ستساعدها في الدفاع عن أوروبا والولايات المتحدة على السواء من الصواريخ الباليستية التي تطلقها دول مارقة.
دليل على التهديد
لكن بالنسبة لبوتين، فإن تلك القاعدة العسكرية في بولندا، وأخرى في رومانيا، دليل على ما يراه تهديدا، يمثله توسع الناتو باتجاه الشرق الأوروبي – وجزء من تبريره لتطويقه العسكري لأوكرانيا، بحسب ما أفادت "نيويروك تايمز".
وإذا كان الرئيس الروسي غاضب من الصواريخ الأميركية بالقرب من حدود بلاده في أحد المواقع برومانيا الذي دخل حيز التشغيل عام 2016 ، إلا أن المنشأة البولندية، الواقعة بالقرب من قرية Redzikowo ، التي تبعد حوالي 100 ميل فقط عن الأراضي الروسية وبالكاد 800 ميل من موسكو نفسها، تثير أحد أكبر مخاوفه.
ولم تفلح تأكيدات البنتاغون مرارا من أن الموقعين دفاعيان ولا علاقة لهما بروسيا، في طمأنة الكرملين.
إذ يرى بوتين أنه يمكن استخدامهما لإسقاط الصواريخ الروسية أو حتى إطلاق صواريخ كروز هجومية على موسكو.
هم أيضا قلقون
أما بالنسبة للسكان القرويين الذين يعيشيون في Redzikowo ، فهم أيضا قلقون، لا سيما أن بوتين ينظر إلى قريتهم كإحدى أكبر المخاطر الأمنية على بلاده، ما يثير توترا لبعض السكان المحليين.
إذ يخشون من احتمال أن تضرب روسيا منشأة الدفاع الصاروخي هذه في قريتهم، على الرغم من أنه احتمال مستبعد جدا، لأنه يغرق الروسي في حرب موسعة هم بغنى عنها.
أبعد من أوكرانيا
من جهته أوضح توماس غراهام، الذي شغل سابقا منصب كبير مديري الشؤون الروسية في مجلس الأمن القومي الأميركي خلال عهد الرئيس جورج دبليو بوش، أن موسكو لم تصدق أبدًا تأكيدات واشنطن بأن نظام دفاعها الصاروخي يستهدف إيران وليس روسيا.
كما أضاف أن القضية أصبحت ذات رمزية قوية للكرملين، لنظام ما بعد الحرب الباردة الذي يعتبره أحادي الجانب بشكل خطير والذي يحاول الآن مراجعته من خلال التهديدات العسكرية.
إلى ذلك، اعتبر أن "الأزمة الحالية أوسع بكثير من مسألة أوكرانيا، فالأخيرة مجرد نقطة ضغط، لكن الأمر يتعلق أكثر ببولندا ورومانيا ودول البلطيق، لاسيما أن الروس يعتقدون أن الوقت قد حان لمراجعة تسوية ما بعد الحرب الباردة في أوروبا لصالحهم".
رادارات متطورة
يشار إلى أن تلك القاعدة البولندية تحتضن نظاما يعرف باسم Aegis Ashore ، ويحتوي على رادارات متطورة جدا قادرة على تعقب الصواريخ المعادية وتوجيه الصواريخ الاعتراضية.
كما أنها مجهزة أيضًا بقاذفات صواريخ تعرف باسم MK 41s ، التي يخشى الروس من إمكانية إعادة استخدامها بسهولة لإطلاق صواريخ هجومية مثل توماهوك.
وإلى جانب تلك القاعدة الأميركية، نشر الناتو أيضا حوالي 5000 جندي في إستونيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا على أساس دوري في السنوات الأخيرة.
كما بدأت الولايات المتحدة في نشر 5000 جندي في بولندا ورومانيا. على أن ترسل بريطانيا مئات الجنود أيضا إلى بولندا. فيما سترسل ألمانيا وهولندا والنرويج قوات إضافية إلى ليتوانيا. وستقدم الدنمارك وإسبانيا طائرات للشرطة الجوية الأوكرانية.
كل تلك المعطيات تشكل خطوطاً حمراء خطيرة لساكن "الكرملين"!