بعد انفراج قصير إثر الاتصال الهاتفي الذي أجراه زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر بزعيم «دولة القانون» نوري المالكي، عاد الوضع مجدداً إلى مرحلة ما يسمى «الانسداد السياسي».
فالصدر، الذي هاتف المالكي، رافعاً بذلك من الناحية العملية الفيتو المرفوع من قِبله عليه، طرح طبقاً لما يجري تداوله في الغرف المغلقة اسم ابن عمه جعفر محمد باقر الصدر مرشحاً لمنصب رئيس الوزراء؛ الأمر الذي أربك خيارات قوى «الإطار التنسيقي» التي تصف المرشح الصدري بـ«القح».
ويضم «الإطار التنسيقي» مجموعة من الأحزاب والتحالفات لم يكن يجمعها قبل التحالف سوى اتفاقها على رفض نتائج الانتخابات، ويجمعها الآن وقوفها ضد التحالف الثلاثي الذي يجمع الصدر مع «تحالف السيادة» السني و«الحزب الديمقراطي الكردستاني» بزعامة مسعود بارزاني.
وفي الوقت الذي تدارست قوى «الإطار التنسيقي» مقترح الصدر بترشيح ابن عمه، فإنها لا تستطيع رفضه لأسباب «أخلاقية» تتصل بكون والده هو المرجع الشيعي ومؤسس «حزب الدعوة في محمد باقر الصدر الذي أعدمه النظام السابق عام 1980، ويعد مرجعاً لقوى الإسلام السياسي الشيعي. كما أن هذه القوى بدأت تنظر إلى الأمر من زاوية علاقتها الملتبسة مع مقتدى الصدر، زعيم «التيار الصدري»، لا مع جعفر الصدر، السفير الحالي في لندن ونجل مرجعهم الأهم محمد باقر الصدر، والمرشح حالياً لرئاسة الوزراء.
لذلك؛ جاء الاقتراح الذي تكفّل المالكي بنقله إلى مقتدى الصدر عبر اتصال هاتفي نيابة عن قوى «الإطار التنسيقي»، والذي يقضي بضرورة مناقشة مسألة الكتلة الأكثر عدداً قبل الموافقة على اسم المرشح.
ولا يريد الصدر التراجع عن التزامه بالتحالف مع السنة (تحالف السيادة) الذي يضم رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، ورجل الأعمال خميس الخنجر، و«الحزب الديمقراطي الكردستاني في بزعامة مسعود بارزاني، لكنه، في الوقت نفسه، بات واقعاً تحت ضغط عدم قدرة تحالفه على تمرير مرشح حليفه بارزاني لمنصب رئيس الجمهورية.
ومن أجل كسر الجمود في العلاقة بين الكتلتين الشيعيتين («التيار» و«الإطار») جاءت مبادرة الصدر شخصياً في رفع الفيتو عن المالكي، بينما كان رفض مبادرة مشابهة من حليفه مسعود بارزاني.
والآن، وقد حدد البرلمان العراقي أول من أمس يوم السادس والعشرين من شهر مارس (آذار) الحالي جلسة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، فإن عدم التوافق بين الحزبين الكرديين، وبوجود ما بات يعرف بـ«الثلث المعطل» لدى كلا التحالفين، يجعل من الصعب المضي في انتخاب الرئيس من بين مرشحين اثنين، هما الرئيس الحالي برهم صالح عن «حزب الاتحاد الوطني الكردستاني» وريبر أحمد عن «الحزب الديمقراطي الكردستاني».
وتؤكد المؤشرات حتى الآن عدم حصول أي انفراج في موقف الحزبين الكرديين. وهذا يعني ذهابهما إلى جلسة البرلمان عبر التنافس بين المرشحيْن، بحيث يراهن كل مرشح على تحالفه للفوز، وفي حال لم ينجح يراهن عليه في تعطيل تمرير المرشح المنافس. وهناك مسألتان مطروحتان بدءاً من اليوم وحتى موعد الجلسة المقررة في 26 من هذا الشهر، الأولى هي التحقيق الجاري حالياً في القصف الإيراني على أربيل بدعوى وجود للموساد الإسرائيلي، والأخرى إمكانية حصول تطور إيجابي في العلاقة بين «التيار الصدري» و«الإطار التنسيقي». ففي حال أثبتت التحقيقات أن الضربة الإيرانية استهدفت مقراً للموساد مثلما تقول طهران، فإن الصدر سيكون في حل من أي التزام له مع بارزاني، وهذا يعني عملياً نهاية التحالف الثلاثي، وبالتالي تكون فرصة مرشح الاتحاد الوطني برهم صالح هي الراجحة. لكن، في حال لم تثبت التحقيقات ذلك، وما لم تحصل انفراجة في العلاقة بين «التيار» و«الإطار» يكون الإطار في حل من التزامه مع «الاتحاد الوطني الكردستاني»، وبالتالي ترجح كفة مرشح بارزاني.
لكن بقاء الحال على ما هو عليه يعني عدم قدرة البرلمان على انتخاب رئيس جديد للجمهورية. ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى تحديد جلسة أخرى لن تكون أفضل من سابقتها؛ الأمر الذي يجعل إمكانية الذهاب إلى حل البرلمان وتحديد موعد لانتخابات مبكرة جديدة خياراً قائماً. وكانت المحكمة الاتحادية العليا قد طالبت من جهتها البرلمان بحسم المواعيد الدستورية خلال مدة وجيزة؛ ما يعني عدم بقاء خيار الجلسات والتأجيل مفتوحاً إلى ما لا نهاية.