قليلٌ فقط من النشاط البدني في الأعمال المنزلية البسيطة كفيل بخفض احتمالات الإصابة بأمراض القلب، السبب الرئيسي للوفيات عالمياً. وقليلٌ فقط من النشاط البدني في الأعمال المنزلية البسيطة كفيل بزيادة حجم الكتلة الرمادية للدماغ، وزيادة قدرات حفظ الذاكرة، والوقاية من عته الخرف عند الكبر في السن.
وقليلٌ فقط من النشاط البدني في الأعمال المنزلية البسيطة كفيل بتقليل احتمالات إصابات السقوط والانزلاق لدى كبار السن. هذا ما تفيد به نتائج العديد من الدراسات الطبية الحديثة.
أعمال منزلية
قد يبدو أن إتمام الأعمال المنزلية، أمراً عادياً، لكن الحقيقة هي أن هذه الأنشطة التي تبدو بسيطة ليس فقط بإمكانها أن تعزز صحة المرء بشكل عام، بل تدخل ضمن مناطق صحية حساسة للغاية، كمنع الإصابات بأمراض القلب، والخرف، والسقوط أرضاً، وهي الحالات المرضية التي تكلّف كثيراً من المعاناة للمرضى، وتزيد من الأعباء المالية لمعالجتهم.
ومع اختلاف أنواع الأعمال المنزلية وقدرات ممارستها من قبل النساء والرجال، تمثل نتائج هذه الدراسات الطبية فرصة صحية أخرى، ضمن منظومة السلوكيات الصحية في ممارسة الحياة اليومية.
وأفادت دراسة أميركية جديدة بأن القيام بالأعمال المنزلية، مثل غسل الأطباق والبستنة، يمكنهما أن يقللا من مخاطر الإصابة بأمراض القلب بين النساء.
ووفق ما تم نشره ضمن عدد 22 فبراير (شباط) الماضي من «مجلة رابطة القلب الأميركية» (JAHA)، عرض باحثون من جامعة كاليفورنيا نتائج دراستهم حول «علاقة حركة الحياة اليومية (DLM) باحتمالات الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية». وشمل الباحثون بالمتابعة نحو 5500 امرأة في السبعينات من العمر، ولمدة تفوق السبع سنوات. ولاحظوا في نتائجهم أن ارتفاع النشاط البدني في الحياة اليومية للعناية المنزلية مرتبط بانخفاض خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية لديهن.
وقال الدكتور ستيف نجوين، الباحث الرئيسي في الدراسة، ضمن بيان صحافي: «إن قضاء المزيد من الوقت في حركة الحياة اليومية، التي تشمل مجموعة واسعة من الأنشطة التي نقوم بها جميعاً أثناء وقوفنا على أقدامنا، أدى إلى انخفاض مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية».
وفي التفاصيل، وجدت الدراسة أن المشاركين الذين يقضون أربع ساعات كل يوم في إكمال «حركات الحياة اليومية»، التي من بينها الأعمال المنزلية، تنخفض لديهم احتمالات الوفاة بسبب أمراض القلب بنسبة 62 في المائة. وكان لديهم فرصة أقل بنسبة 43 في المائة لتطور الإصابة بأمراض القلب، وفرصة أقل للإصابة بالسكتة الدماغية بنسبة 30 في المائة. وأضاف: «نتائجنا جديرة بالملاحظة، لأن الكثير من الحركات التي يمارسها كبار السن مرتبطة بمهام الحياة اليومية، التي قد لا يعتبرها كبار السن نشاطاً بدنياً».
لياقة بدنية وعقلية
وفي وقت سابق، أوضحت دراستان؛ إحداهما من سنغافورا، والأخرى من كندا، أن القيام بالأعمال المنزلية يمكن أن يؤدي إلى زيادة حجم الدماغ، إضافة إلى رفع مستوى اللياقة البدنية، وهو ما علق عليه الدكتور ستيف مارتن من دوسلدورف بألمانيا في 24 فبراير (شباط) الماضي، على موقع «ميدسكيب» (Medscape) قائلاً: «يعتبر النشاط البدني دواءً سحرياً؛ فهو يقي من أمراض القلب والسكتة الدماغية. ويبدو أن انتشار الخرف أقل بالنسبة لمن يمارسه؛ أفلا يكون من المنطقي القيام بالمهام المنزلية ذات الجهد البدني، مثل تنظيف النوافذ والمكنسة الكهربائية، بدلاً من قضاء الوقت في صالة الألعاب الرياضية؟».
وفي دراسة سنغافورية، أظهرت النتائج أن الأشخاص الذين يقومون بأعمال منزلية شاقة هم أكثر لياقة بدنية وعقلية من أولئك الذين لا يقومون بهذه المهام. وفي دراسة كندية، كان هناك ارتباط كبير بين حجم المخ والمادة الرمادية، وبين درجة الأعمال المنزلية التي يتم أداؤها. وأضاف بشيء من الطرافة قائلاً: «ونحن نعلم أن كثيراً من الأعمال المنزلية لا تزال تؤديها النساء في الغالب. هل هذا هو السبب في أن المرأة تعيش لفترة أطول وتبقى أعلى لياقة نفسية مع تقدم العمر أكثر من الرجل؟ وإذا كان هذا هو الحال، هل يمكن للمرء أن ينصح الرجال بأخذ معدات التنظيف المنزلي واستخدامها لأسباب صحية فقط. آمل أن تكون هذه نصيحة ممتعة لبيئتك المنزلية».
وكان باحثون من معهد سنغافورة للتكنولوجيا وجامعة سنغافورة الوطنية قد نشروا دراستهم الطبية بعنوان «ارتباطات الأعمال المنزلية مع الوظائف المعرفية والجسدية والحسية لدى البالغين الأصغر سناً وكبار السن». وذلك ضمن عدد 22 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي من المجلة الطبية البريطانية المفتوحة BMJ Open. وأفاد الباحثون بأن علاقة النشاط البدني في الحياة اليومية بالقدرة الذهنية والإدراكية لا تزال غير واضحة. وقالوا: «قمنا بفحص الارتباطات بين الأعمال المنزلية والصحة الوظيفية بين البالغين السنغافوريين الأصغر (أقل من 65 سنة) والأكبر منهم سناً، الذين يعيشون في المجتمع». وذكروا في محصلة النتائج: «بين كبار السن، ترتبط ممارسة الأعمال المنزلية بشكل إيجابي بالوظيفة الإدراكية العليا للدماغ، وتحديداً في الانتباه والذاكرة» . وأضافوا: «وتظهر نتائجنا، لأول مرة، أن كثافة الأعمال المنزلية كانت مرتبطة بشكل مختلف بمجالات معرفية محددة، إذْ ارتبطت الأعمال المنزلية الثقيلة بأعلى الدرجات في مجال الانتباه، بينما ارتبطت الأعمال المنزلية الخفيفة بأعلى الدرجات في كل من مجالات الذاكرة القديمة والفورية لدى كبار السن».
وضمن عدد 5 فبراير (شباط) 2021 من مجلة «بي إم سي لطب الشيخوخة» BMC Geriatrics، قدم باحثون كنديون دراستهم بعنوان «يرتبط النشاط البدني المنزلي بشكل إيجابي بحجم المادة الرمادية في الدماغ لدى كبار السن». وأفادوا بالقول: «لدى كبار السن، ارتبط الوقت الذي يقضونه في ممارسة النشاط البدني المنزلي، بشكل إيجابي، مع حجم الدماغ، وتحديداً حجم المادة الرمادية Gray Matter. وهذه أول دراسة تحدد العلاقة بين النشاط البدني المنزلي وحجم المادة الرمادية. وقد يؤدي تسليط الضوء على الفوائد المرتبطة بالأعمال المنزلية إلى تحفيز كبار السن على أن يكونوا أكثر نشاطاً، من خلال توفير شكل أكثر سهولة من النشاط البدني وقليلة الخطورة».
وضمن عدد يونيو (حزيران) الماضي من مجلة تمريض الشيخوخة Journal of Gerontological Nursing، عرض باحثون من المركز الطبي بجامعة ميسيسيبي دراستهم بعنوان «النشاط البدني في الأعمال المنزلية ومخاطر السقوط مستقبلاً لدى كبار السن». وقال الباحثون: «يرتبط النشاط البدني في الأعمال المنزلية بانخفاض مخاطر السقوط في المستقبل. وفي الدراسة الحالية، تم تقييم سبعة أنشطة بدنية منزلية يمارسها كبار السن الذين تتراوح أعمارهم بين 65 إلى 90 عاماً. ووجدنا أن أعمال البستنة والعناية بالحديقة كانت مرتبطة بخفض مخاطر السقوط والانزلاق في المستقبل. ما يلفت النظر في البستنة، وأعمال الحدائق، كتدخل، بهدف تقليل مخاطر السقوط في المستقبل».
«رابطة القلب الأميركية»: اقتراحات للنشاط البدني في جميع أنحاء المنزل
> تقول «رابطة القلب الأميركية» ما مفاده: «أيامنا مليئة بالأحداث والفعاليات والأعمال الروتينية، مما يجعل من الصعب إيجاد وقت لممارسة النشاط البدني في بعض الأيام.
وفيما يلي بعض الاقتراحات حول كيفية ممارسة النشاط البدني في منزلك، والقيام بالأشياء التي يجب عليك القيام بها على أي حال:
– اجعل أطفالك نشطين أثناء القيام بالأعمال المنزلية. ضع ورقة لاصقة على جميع العناصر التي تحتاج إلى التنظيف أو الترتيب (مثل طاولة المطبخ والأريكة والسرير). سيجمع طفلك كل ورقة لاصقة، بعد أن يقوم بتنظيف العنصر. اجعلها منافسة ودية لمعرفة مَن الذي يجمع أكبر قدر من العصي. يمكنك حتى تقديم جائزة للفائز الذي لديه أكبر عدد من اللاصقات. سيكون أطفالك نشطين بدنياً، ويساعدون في الأعمال المنزلية ويستمتعون!
– زيادة كثافة الأعمال المنزلية باستخدام حدود الوقت. ضع قرصاً مضغوطاً مفضلاً وخصص عدداً معيناً من الأغاني لإكمال كل عمل روتيني. على سبيل المثال، اسمح بأغنيتين لتنظيف غرفة المعيشة، وثلاث أغانٍ لغسل الأطباق، وأغنية واحدة لالتقاط الألعاب في غرفة اللعب. ستتحرك أنت وأطفالك بشكل أسرع، وستعمل بجهد أكبر للتغلب على عقارب الساعة، مما يجعل قلوبك تضخ بقوة أكبر وتصبح أقوى.
– أشرك جميع أفراد الأسرة. بعد العشاء، كلف الجميع بمهمة التنظيف. كل شيء من تنظيف الأطباق، وتحميل غسالة الصحون، وتخزين بقايا الطعام. يمكن أن تنهض الأسرة كلها وتتحرك. لن يكون الجميع خارج مقاعدهم فحسب، بل سيكون أيضاً وقتاً ممتعاً للترابط بينك وبين عائلتك».
كمية حرق الطاقة عند تنفيذ 8 أعمال منزلية
> لشخص بوزن 70 كيلوغراماً، تختلف كمية طاقة كالوري السعرات الحرارية التي يحرقها خلال ممارسة أنواع شتى من الأعمال المنزلية. وإليك ذلك:
– تنظيف الأرضيات. عند تنظيف الأرضيات بالمكنسة الكهربائية أو المسح بالممسحة اليدوية، يحرق الإنسان أكثر من 4 سعرات حرارية في الدقيقة، أو 240 كالوري لكل ساعة. ولحرق المزيد من السعرات الحرارية، تحرك بالخطو للإمام وللخلف. وعند إجراء عملية الكنس بشكل يومي، أو كل يوم وما بعده، يُمكن حساب كمية لا يتوقعها المرء من السعرات الحرارية التي يحرقها الجسم خلال الأسبوع، إضافة إلى تحريك عضلات ومفصل أجزاء الجسم المختلفة.
– تنظيف الأسطح باليد. يؤدي مسح الأثاث من الخزائن والطاولات أو فرك أسطح أجزاء الحمام، إلى حرق 4 سعرات حرارية في الدقيقة. ولحرق المزيد من السعرات الحرارية، يمكن تنسيق تحريك العضلات في الطرف العلوي، واتخاذ وضيعات للجسم مختلفة، تُراعي فيها سهولة أداء عملية التنظيف مع تحريك عضلات الجذع والظهر والساقين. هذا مع التنبه لوضعية الجسم أثناء تنظيف الحمام عند بلل الأرضية بالماء، لمنع السقوط أو الانزلاق.
– رفع الأشياء عبر صعود السلالم. صعود السلالم مع حمل وزن إضافي يتراوح من 1 إلى 5 كيلوغرامات يحرق 7 سعرات حرارية في الدقيقة. وتزيد تلك الكمية مع زيادة الوزن، ولكن يجدر التنبه لمنع السقوط أو الانزلاق.
– ترتيب السرير: تغيير أغطية الأسرة وضبطها يحرق نحو 2 كالوري في الدقيقة. وكذلك بقية الأعمال الخفيفة لترتيب حجرة النوم.
– غسل النوافذ: يؤدي ارتقاء درجات السلم المتنقل والوصول إلى النوافذ لغسلها وتنظيفها ومسحها، إلى حرق 6 سعرات حرارية في الدقيقة.
– طبخ وتحضير الطعام: التحضير المعتاد لوجبة العشاء العائلية يحرق أكثر من 100 سعر حراري. وإذا كنت تفعل ذلك على مدار الأسبوع بأكمله، فهذا يعني حرق أكثر من 700 سعر حراري.
– غسل الملابس: إذا أخذت في الاعتبار التحميل والتفريغ والطي والكي في المعادلة، فإن خلال جلسة الغسيل سيحرق المرء بالمتوسط نحو 700 سعرة حرارية. وإن كنت تفعل ذلك مرتين في الأسبوع، فإنك ستفقد 1400 كالوري.
– أعمال البستنة. يُؤدي قلع الأعشاب الضارة أو تقليم أغصان الأشجار الصغيرة أو جز عشب النجيل باستخدام جزازة يدوية، إلى حرق 8 كالوري في الدقيقة. هذا بالإضافة إلى تحريك الكثير من عضلات الجسم ومفاصله. والأمر الجذاب في أعمال البستنة، للكبار في السن والصغار من الإناث والذكور، هو المتعة النفسية أثناء أعمال العناية بالحديقة، والراحة النفسية المتجددة كل يوم بمشاهدة نمو النباتات وتفتح الزهور وظهور ثمار الخضراوات المنزلية.
وبالتالي عند ممارسة الأعمال المنزلية بشكل يومي وبنشاط، سيحرق الشخص الذي يبلغ وزنه 70 كيلوغراماً ما يقرب من 200 سعر حراري في الساعة. وحينها عندما يتنبه لهذه الجدوى الصحية، ربما سيقرر بذل مزيد من الاهتمام بالمشاركة في أنشطة تنظيف المنزل مع بقية أفراد الأسرة، والقيام أيضاً بالأعمال المنزلية الأخرى لتعهد وترتيب وصيانة أجزائه، كالدهان وغيره.