هناك أسباب عدة، وليس سبباً واحداً، قد تكون وراء شكاوى صحية شائعة، فعلى سبيل المثال، يعدّ الشعور بضيق التنفس أمراً طبيعياً تماماً بعد ممارسة تمرين قوي. لكن بالنسبة لبعض الأشخاص، يمكن أن يؤدي حتى مجهود خفيف إلى الشعور بـ«ضيق التنفس (dyspnea)» وغالباً ما يكون مصحوباً بأعراض مثل التعب والدوار.
في معظم الأحيان، يقع اللوم في ذلك الشعور على مشكلات في القلب أو الرئة. وفي كثير من الحالات، يمكن أن تكشف الفحوصات الروتينية – بما في ذلك «تصوير الصدر بالأشعة السينية (chest x – ray)»، و«مخطط صدى القلب (echocardiogram الموجات فوق الصوتية للقلب)»، واختبارات وظائف الرئة، واختبارات الدم – عن السبب الكامن وراء ضيق التنفس لدى الشخص صاحب الشكوى.
في هذا السياق، يقول الدكتور ديفيد سيستروم، مدير «عيادة ضيق التنفس» في «مستشفى بريغهام وأمراض النساء» التابع لجامعة هارفارد: «في بعض الأحيان، تكون جميع النتائج طبيعية تماماً، أو قد لا تفسر النتائج تماماً طبيعة أو شدة أعراض الشخص». وهما المكان الذي يمكن أن يلعب فيه «اختبار تمارين القلب والرئة cardio¬pulmonary exercise testing (CPET))» دوراً مهماً.
– أسباب غير عادية
في وقت ما، لوحظ أن نحو نصف الأشخاص الذين جرت إحالتهم إلى «عيادة ضيق التنفس» والذين خضعوا إلى «CPET» يعانون من «ارتفاع ضغط الدم الرئوي (pulmonary hypertension)» (وهي حالة غير شائعة تصبح فيها الشرايين المؤدية إلى الرئتين سميكة ومتيبسة)، أو يعانون من فشل القلب مع «قصور القلب ووجود الجزء المقذوف من الدم» (شكل من أشكال فشل القلب الناتج عن تصلب في الحجرة اليسرى السفلية للقلب). «ولكن منذ نحو 5 سنوات، بدأنا أيضاً في ملاحظة مزيد من المرضى الذين يعانون من متلازمة التعب المزمن»، بحسب الدكتور سيستروم. يعرف هذا المرض المعقد رسمياً باسم «التهاب الدماغ والنخاع العضلي» أو «متلازمة التعب المزمن myalgic encephalomyelitis/chronic fatigue syndrome (ME/ CFS) ،«(ME/ CFS)»، ويشتمل على تشوهات في العديد من أجهزة الأعضاء؛ أبرزها الجهاز العصبي والأوعية الدموية.
– حالات «كوفيد»
يعاني العديد من الأشخاص المصابين بـ«ـمتلازمة التعب المزمن (ME/ CFS)» من مشكلات غير عادية في الدورة الدموية تحدث لأن الجهاز العصبي المحيطي يفشل في إرسال إشارات إلى الأوردة الكبيرة في الساقين والحوض والبطن بهدف التقلص وتوصيل الدم إلى القلب. يؤدي هذا إلى ما يسميه الأطباء «قصور الحمل المسبق (pre – load insufficiency)»، مما يعني أن الحجرة اليمنى العلوية للقلب (الأذين) لا تمتلئ وتصل إلى الضغط الطبيعي قبل كل نبضة. يقول الدكتور سيستروم إن هذه المشكلة ليست منتشرة لدى الأشخاص الذين يعانون من «متلازمة التعب المزمن (ME/ CFS)» فحسب؛ بل تعدّ أيضاً شائعة لدى الأشخاص الذين يعانون من حالة تعرف باسم «كوفيد طويل الأمد».
يتعافى غالبية الأشخاص الذين يصابون بـ«كوفيد19» في غضون أسابيع أو بضعة أشهر. لكن البعض يعاني من التعب المستمر، والدوار، والخفقان، وتشوش الدماغ، وضيق التنفس، والتي غالباً ما توصف بأنها تأثيرات «كوفيد طويل الأمد». ويشير الخبراء الآن إلى هذا المرض طويل الأمد باسم «post – acute sequelae SARS – CoV – 2»، «PASC» والذي يمثل «عدوى ما بعد الحادة» التي تعقب الإصابة بـ«SARS CoV – 2» هو الفيروس المسبب لـ«كوفيد19». عادة ما يصيب ذلك المرض طويل الأمد «PASC»، وهو الأكثر شيوعاً عند النساء الشابات، أولئك الذين يعانون من عدوى متوسطة فقط.
تكهن خبير الأمراض المعدية والمستشار الطبي للبيت الأبيض الدكتور أنتوني فوسي بأن المرض طويل الأمد «PASC» يشبه بدرجة كبيرة «متلازمة التعب المزمن (ME/ CSF)»، والذي يمكن أن يحدث بسبب العدوى؛ بما في ذلك داء كريات الدم البيضاء ومرض «لايم». يستخدم الدكتور سيستروم وزملاؤه (جنباً إلى جنب مع فرق البحث الأخرى في جميع أنحاء البلاد) «اختبار التمرين القلبي الرئوي (CPET)» لفهم تداعيات ذلك المرض طويل الأمد «PASC» بشكل أفضل، على أمل تمهيد الطريق لعلاجات فعالة.
– ما هو «اختبار التمرين القلبي الرئوي»؟
> يعمل «اختبار إجهاد التمرين القياسي»، (ويسمى أيضاً «اختبار الإجهاد القلبي» cardiac stress test) على مراقبة معدل ضربات القلب، وإيقاع القلب، وضغط الدم أثناء المشي على جهاز المشي أو دواسة الدراجة الثابتة. ويعدّ «اختبار التمرين القلبي الرئوي (CPET)» أكثر دقة، نظراً إلى أنه يجمع معلومات إضافية حول كل من وظائف القلب والرئة لتقييم كيفية استجابة جسمك للتمرين.
أثناء اختبار «CPET»، يرتدي المريض أيضاً مستشعراً صغيراً يسمى «مقياس التأكسج النبضي (pulse oximeter)» على أصبعه ليقيس مستوى الأكسجين في الدم. ويجري تزويد المريض أيضاً بقطعة على الفم أو قناع متصل بجهاز يراقب التنفس لمعرفة مدى كفاءة امتصاص الأكسجين وزفير ثاني أكسيد الكربون.
في نسخة متقدمة من الاختبار، يستخدم الأطباء أنابيب رفيعة ومرنة (قسطرات) لإدخال جهازين مؤقتين لمراقبة الضغط، أحدهما في وريد الرقبة للوصول إلى الشريان الرئوي (الذي ينقل الدم من القلب إلى الرئتين لالتقاط الأكسجين وثاني أكسيد الكربون الخارج)، وآخر في الشريان الكعبري في الذراع. تعمل هذه الأجهزة معاً على إيضاح مدى جودة توصيل الدم والأكسجين إلى عضلاتك واستخدامهما أثناء التمرين. ويشتمل جانب من التمرين على فترة إحماء قصيرة تليها ما بين 5 و8 دقائق فقط من التبديل على دواسة دراجة التمرين مع زيادات تدريجية في الشدة.
وبحسب طبيب الرئة ديفيد سيستروم، أستاذ الطب المساعد بكلية الطب بجامعة هارفارد، فرغم أن الاختبار «تدخلي»، فإن المسكنات الموضعية تحافظ على عدم الراحة من القسطرة إلى الحد الأدنى. وأضاف: «في الواقع، أكثر من 90 في المائة من الأشخاص الذين خضعوا لاختبار (CPET) التدخلي أفادوا بأن الاختبار ليس سيئاً مثلما هي الحال عند وجود تجويف يجري حفره وإصلاحه بواسطة طبيب أسنان».
– «رسالة هارفارد للقلب»
– خدمات «تريبيون ميديا»