يعتبر تناول الطعام كاستجابة لمؤثرات عاطفية من أسوأ العادات الغذائية الضارة بالصحة، والمؤدية إلى زيادة الوزن والإصابة بالبدانة لاحقاً. وترتبط هذه العادة بتحسن المزاج عند تناول نوع أو أنواع معينة محببة من الطعام بكميات كبيرة. وكلما كانت هناك ضغوط نفسية وقلق زاد الإفراط في تناول هذا النوع.
دوافع وأحاسيس
يعرف «الأكل العاطفي» Emotional Eating بأنه «الإفراط في تناول الطعام لتخفيف المشاعر السلبية». والحقيقة أن التخلص منه ليس بالأمر البسيط لأن ارتباط الطعام بالمشاعر العاطفية المختلفة يكاد يكون عادة جماعية يتشارك فيها الجميع حيث ترتبط الاحتفالات والمناسبات المختلفة بتناول أطعمة معينة لها رمزية احتفالية خاصة مثل الحلويات على سبيل المثال.
وأوضحت أحدث دراسة بريطانية تناولت النظم الغذائية الصحية أن إصابة الأطفال بهذا السلوك الغذائي يمكن أن يكون ميلا طبيعيا منهم أو تأثيرا مجتمعيا يبدأ من عمر مبكر جداً. وفي الأغلب يلعب الآباء وخاصةً الأم دوراً مهماً في هذا التأثير على أطفالهم بخصوص الأكل العاطفي في مرحلة ما قبل الدراسة. والآباء ربما يدفعون أطفالهم لهذا السلوك غير الصحي سواء كانوا متأثرين به أو حتى بدون قصد منهم نتيجة لفهمهم الخاطئ.
وأجرى الدراسة التي نشرت في نهاية شهر أبريل (نيسان) من العام الجاري في مجلة أكاديمية التغذية والنظم الغذائية the Journal of the Academy of Nutrition and Dietetics، باحثون من جامعة أستون في برمنغهام، وأوضحت أن الأطفال المصابين بزيادة الوزن أو حتى الذين كان لديهم دافع أكبر لتناول الطعام باستمرار كانوا هم الأكثر استعداداً لربط الطعام بالعواطف المختلفة سواء المبهجة أو المحزنة، رغم أن الأقران كان لهم سلوك آخر مختلف لإظهار السعادة أو التفاعل مع الحزن بعيداً عن الأكل.
عادات غذائية
في هذه الدراسة قام الباحثون بإجراء مسح على 185 من الأمهات في المملكة المتحدة مع أطفالهم الصغار الذين تتراوح أعمارهم بين 3 إلى 5 سنوات وقاموا بإجراء استبيان حول العادات الغذائية الخاصة بهم وكذلك العادات الغذائية لأطفالهم. وشملت الأسئلة الكمية التي تناولتها الأمهات وكذلك أطفالهن كاستجابة لمشاعرهم العاطفية، ولأي مدى كان الأطفال مقبلين على تناول الطعام أو حتى طلبوا تناوله طوال اليوم. وقاموا بسؤال الأمهات إذا كن يقمن باستخدام الطعام (كمؤثر عاطفي) من عدمه، بمعنى استخدام الطعام المحبب للأطفال كنوع من المكافأة عن طريق الوعد بتناوله في حالة الالتزام بالسلوك الجيد أو الحرمان من تناوله كنوع من العقوبة في حالة ارتكاب الأخطاء.
أشار الباحثون إلى مسؤولية الأم عن خلق حالة من الارتباط الشرطي conditioned reflex بين الطعام والمشاعر المختلفة من خلال سلوك الثواب والعقاب، وهو الأمر الذي يجعل من الطعام «مؤثرا عاطفيا» بعيداً عن كونه مجرد استجابة للجوع فقط. ويصبح تناول الطعام خاضع للحالة النفسية وليس للاحتياج الفسيولوجي فقط مما يؤدي إلى الإصابة بالبدانة على المدى الطويل.
وأظهرت الدراسة أن الأطفال الذين كانوا أكثر رغبة في تناول كميات أكبر من الطعام كانوا هم الأكثر عرضة للتأثر بسلوك الأكل العاطفي من خلال ربط تناول الحلوى كمكافأة من الأم. ومعظم هؤلاء الأمهات تعاملن مع الطعام كمحفز للالتزام بالسلوك الجيد.
وحسب الأكاديمية الأميركية لأطباء الأسرة American Academy of Family Physicians فإن مشكلة تناول الطعام من أجل الشعور بالسعادة أنه يؤدي إلى الإفراط في تناول الطعام بغض النظر عن الشبع. وأوضح الباحثون أن الآلية التي يطور بها الأطفال سلوكيات الأكل معقدة للغاية ويلعب فيها الأكل العاطفي دوراً هاماً.
حذر الباحثون من أن حل هذه المشكلة ليس منع الأطفال من تناول الطعام وبشكل خاص الأطعمة المفضلة لديهم حيث تشير النتائج السابقة أن منع الأطفال من تناول الطعام خاصةً المفضل لديهم يؤدي إلى نتائج عكسية ويجعل الأطفال يلتهمون كميات أكبر من هذه الأطعمة المحظورة حينما تسنح لهم الفرصة. ولذلك يجب أن يكون الآباء على دراية بضرورة تغيير هذا السلوك بشكل تدريجي عن طريق كسر الارتباط الشرطي بين الطعام والثواب والعقاب. ويجب أيضاً أن يحاول الآباء الالتزام بالنظام الصحي في الغذاء كنموذج لأطفالهم.
نصحت الدراسة الأمهات بضرورة معرفة الفرق بين الرغبة في تناول الطعام نتيجة للجوع الحقيقي Physical hunger والرغبة في تناول الطعام بشكل عاطفي Emotional hunger. وعلى سبيل المثال فإن الجوع الحقيقي يبدأ بالتدريج وبشكل بطيء بينما الجوع العاطفي يحدث بشكل مفاجئ وسريع وأيضاً في حالة الجوع الحقيقي يكون الاحتياج إلى أي نوع أو مجموعة أنواع من الطعام، بينما الجوع العاطفي يكون هناك احتياج لنوع معين من الأطعمة محببة لدى الطفل مثل الأطعمة الغنية بالسكريات أو الدهون. كما أن الطفل في حالة الجوع الحقيقي يصل إلى مرحلة الشبع بعد تناول كمية معقولة من الطعام بينما في الأكل العاطفي يتناول الطفل كميات كبيرة جدا أكثر من المعتاد ليحقق الإحساس بالراحة النفسية.
وهناك خطوات يجب على الأم أن تحرص عليها لحماية طفلها من الأكل العاطفي مثل حثه على ممارسة نشاط بدني باستمرار حتى في المنزل وتكليفه بمهام بسيطة في الأوقات التي يمكن أن يحدث فيها توتر نفسى مثل الدخول إلى المدرسة أو الحضانة. ويجب على الأم أن تشجع الطفل على تناول غذاء صحي حتى في الأوقات التي يتناول فيها الطفل الغذاء كرد فعل عاطفي لكي يعتاد على الأطعمة الصحية.
– استشاري طب الأطفال