من المتوقع أن تبدأ هذا الأسبوع في العاصمة الأردنية عمان جولة من المشاورات بين ممثلين عن الحكومة اليمنية وممثلين عن الجماعة الحوثية الانقلابية في مسعى لإيجاد توافق لاستكمال تنفيذ بقية بنود الهدنة الإنسانية بخاصة فيما يتعلق بفك الحصار عن مدينة تعز وفتح الطرق الحيوية في مناطق التماس.
وفي حين أعلن الحوثيون رسميا توجه ممثليهم (الأحد) إلى عمان لحضور المشاورات، كانت الحكومة اليمنية حددت ممثليها عقب سريان الهدنة التي تنتهي في الثاني من الشهر المقبل، في ظل آمال أممية بتمديدها والتأسيس عليها لإطلاق مسارات متعددة من المشاورات الرامية إلى إيجاد سلام دائم.
في الأثناء، أطلق ناشطون وحقوقيون يمنيون أمس (الأحد) حملة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي للمطالبة بفك الحصار عن تعز، بالتزامن مع توقيع بيان من قبل 26 منظمة حقوقية تدعو إلى ضغط دولي لإرغام الحوثيين على إنهاء الحصار على المدينة.
ودعا البيان المجتمع الدولي بدوله وهيئاته ومؤسساته وتحالفاته إلى إيلاء ملف حصار مدينة تعز والأزمة الإنسانية فيها الاهتمام الكافي، وجعلها من أولويات مهامه لإنهاء الحرب في اليمن، نظرا إلى ما يمثله هذا الملف من أهمية مركزية في الأزمة اليمنية، حيث تتفاعل في تعز مجموعة من الإشكالات السياسية والاجتماعية، وفيها أكبر مظاهر الأزمة الإنسانية وانتهاكات حقوق الإنسان.
وقال البيان «إن مدينة تعز تتعرض لحصار خانق منذ العام 2015، في ظل تعاطٍ دولي يجعل فك هذا الحصار وتخفيف معاناة المدنيين فيها قضية فرعية، لا تحظى سوى بالقليل من الاهتمام، مع وعود سرعان ما يتم التنصل عنها، ولا يتم الالتفات إلى هذا الملف إلا في بعض هوامش الجهود والمباحثات الدولية لإنهاء الحرب في اليمن، برغم أن المدينة تعيش أقسى ظروف الحرب، وفيها تتجسد كافة ملامح الأزمة الإنسانية، وترتكب فيها أكثر انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب».
واتهمت المنظمات الحقوقية الشريكة في الحملة، الفعاليات الحقوقية المحلية والإقليمية والدولية بالتهاون في قضية فك الحصار عن مدينة تعز، وقالت في بيانها «برغم أن بقية بنود وشروط الهدنة يجري العمل عليها باستمرار، وتتناولها وسائل الإعلام يومياً؛ إلا أن فك الحصار عن مدينة تعز ظل ولوقت طويل من الهدنة قيد الإهمال والتجاهل».
بحسب إحصائية لمركز تعز الحقوقي؛ فإن 3590 مدنيا قتلوا في المحافظة (تعز) بينهم 761 طفلا و347 امرأة و289 مسنا، وأصيب 13736 آخرون، بينهم 3155 طفلا و1180 امرأة و764 مسنا خلال الأعوام من 2015، وحتى 2020، جراء أعمال القصف والقنص التي نفذها الحوثيون، كما وثق «تحالف رصد» مقتل وإصابة 366 طفلاً في تعز تتراوح أعمارهم بين عام واحد و17 عاما برصاص قناصة يتبعون جماعة الحوثي خلال الفترة من مارس (آذار) 2015 وحتى أغسطس (آب) 2020.
ويتعرض المدنيون في تعز – بحسب الحملة الحقوقية – للاستهداف بنيران جماعة الحوثي إما بالقصف المدفعي والصاروخي؛ أو بنيران القناصة المتمركزين على الجبال والتلال وأسطح البنايات المحيطة بالمدينة، دون تمييز بين الأطفال والنساء والعجزة والرجال والشباب، كما يجري استهداف الناشطين والعاملين في منظمات وجهات الإغاثة والصحافيين والإعلاميين داخل المدينة إما بالقصف والقنص أو بالاغتيالات، لمنعهم من نقل الحقيقة وكشف وتوثيق الانتهاكات، أو تقديم المساعدات للمدنيين.
ويتمثل الحصار وفق المنظمات الحقوقية «في انتهاك حرية التنقل، ومنع الحركة بين مركز المحافظة وأريافها والمحافظات الأخرى بإغلاق الطرقات والمنافذ الرئيسية والفرعية المباشرة، وبناء المتاريس والحواجز وحفر الخنادق فيها، وتحويل مساراتها إلى طرقات وعرة وبعيدة وملتوية طويلة، حيث لم يبق أمام المدنيين للوصول إلى المدينة سوى منفذ رئيسي واحد، تم فتحه بعد معارك طويلة خلال العامين 2015 و2016، في حين يضطر المدنيون من كافة المناطق إلى الالتفاف في مسافات طويلة وطرق مزدحمة وغير معبدة للوصول إليه.
وتسبب الحصار الحوثي لمدينة تعز في توقف وصول المواد الأساسية والضرورية بما فيها المياه والأغذية والأدوية والمستلزمات الطبية، وتتم مصادرة المساعدات الإنسانية ومنعها من الوصول، ومنع منظمات وجهات الإغاثة وتقديم العون الإنساني من الوصول إلى المدنيين المتضررين من الحرب والحصار، ما أدى إلى شحة أو انعدام المواد الأساسية والضرورية في أسواق المدينة وارتفاع أسعارها مع تدني القدرة الشرائية للمواطنين الذين تقطعت بهم السبل، وخسر غالبيتهم مصادر دخولهم وأعمالهم.
وإلى جانب تدهور القطاع الصحي في المدينة بسبب الحصار، قال المشاركون في الحملة الحقوقية إن الحصار تسبب في خسائر اقتصادية ضخمة، حيث تقدر خسائر السكان من مدخولاتهم ما يقارب 40 مليار ريال، إضافة إلى ما يزيد عن 500 ألف ساعة يقضونها في الطرقات، وزادت تكاليف الحصول على الخدمات الصحية والتعليمية، واضطر الكثير منهم إلى السفر خارج المدينة للحصول عليها (الدولار حوالي 600 ريال في مناطق سيطرة الحوثيين).
وشددت المنظمات اليمنية الشريكة في الحملة الحقوقية «على أن يكون ملف حصار تعز والأزمة الإنسانية فيها على رأس أولويات جهود إنهاء الحرب، وعلى ضرورة وضوح وصراحة مواقف كافة الأطراف المعنية في هذا الشأن، وأن تتجسد هذه المواقف بإدانة الحصار، والضغط من أجل إنهائه، والتعامل مع هذه الأزمة بجدية واهتمام بالغين كما يحدث مع بقية الملفات الأخرى ضمن الهدنة الإنسانية المعلنة، مثل فتح مطار صنعاء، وتوحيد العمليات المصرفية، والتوجه لبدء المفاوضات والمشاورات».