يبدو أن أخطر سلاح يسعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لامتلاكه، ويصعب على الولايات المتحدة إضافته إلى ترسانتها، هو "قنبلة القمح" الأهم من النووية، وفقا لما يمكن استنتاجه من تقرير نشرته صحيفة "التايمز" البريطانية اليوم، ملخصه أن أكبر مكسب روسي "من الحرب الهادفة لاحتواء أوكرانيا وتقسيم الغرب" يظهر حتى الآن بحبة القمح أكثر من أي شيء آخر.
السبب أن الحصار الروسي للموانئ الممتدة على طول البحر الأسود، لم يفرض سيطرته على اقتصاد أوكرانيا فقط، بل أعاقها أيضا كمنافس رئيسي بسوق الحبوب العالمية، حيث يتعفن حاليا أكثر من 20 مليون طن من الحبوب الأوكرانية بالصوامع والسفن التجارية في أنحاء البلاد، ولا يمكنها الوصول إلى وجهتها من أوكرانيا الموصوفة بأنها خامس أكبر مصدّر للقمح في العالم، وهو حصار رفع الأسعار 60% منذ بداية العام، وجعل روسيا المعروفة بأكبر مصدّر عالمي للقمح، سعيدة ببيع مزيد من القمح وبسعر أعلى "وتحاول أيضا بيع ما سرقه جنودها من مزارع المناطق المحتلة"، وهو ما نجد شيئا عنه في الفيديو المعروض.
ويتضح من بيانات شركة AgFlow المختصة بتحليل السوق الزراعية، أن صادرات القمح الأوكراني انخفضت 32% في أبريل الماضي، مقارنة بالشهر نفسه قبل عام، فيما ارتفعت الصادرات الروسية 18% تقريبا، لذلك جمعت روسيا مليارا و900 مليون دولار من ضرائب تصدير القمح هذا الموسم، بينما كان الحصار مدمرا لأوكرانيا التي يمثل قطاع الأغذية والزراعة 10% من ناتجها المحلي الإجمالي، مقابل تمثيله 5% من ناتج روسيا الإجمالي.
وبينما كانت صادرات القمح والذرة الأوكرانية تنمو قبل الحرب، والروسية تنخفض، فإن الأسعار "ارتفعت بشكل صاروخي (بعد الحرب) وتبين من الخسارة بأحجام الصادرات الأوكرانية أنها تطابق تماما مكاسب روسيا، وهو ما يمكن تفسيره بدقة تامة على أنه تهميش لمنافس تجاري" طبقا لرأي Nabil Mseddi الرئيس التنفيذي لشركة AgFlow الواقع مقرها في جنيف بسويسرا.
أكبر 3 مستوردين من روسيا
ويشترك البلدان بأن لهما العدد نفسه تقريبا من مستوردين، معظمهم بشمال إفريقيا والشرق الأوسط، ويلجأون لمواجهة احتمال حدوث نقص بالغذاء إلى روسيا لتعويضه، أهمهم مصر وإيران وتركيا، حيث ارتفعت صادرات روسيا إلى تلك الدول 500 و481 و381% على التوالي، فتتضخم خزائن الكرملين، في وقت وصل عدد المعرضين لخطر المجاعة إلى 50 مليونا حول العالم، على حد ما ورد عن "برنامج الغذاء العالمي" التابع للأمم المتحدة.
ولأن "أورسولا فون دير لاين" رئيسة المفوضية الأوروبية، قالت هذا الأسبوع إن روسيا "تستخدم الجوع والحبوب لممارسة السلطة" فإن بوتين ألقى باللوم على العقوبات الغربية في الأزمة، مع أن الزراعة بقيت خارج العقوبات، وقال إنه سيفكر برفع الحصار فقط مقابل تخفيف الحظر، فرد عليه وزير الخارجية الأوكراني Dmytro Kuleba بقوله في قمة "دافوس" الأخيرة: "لا يمكنك العثور على مثال أفضل للابتزاز في العلاقات الدولية" وألمح إلى أن روسيا "تفرض فدية" على سوق الحبوب.
روسيا التي كانت تعتمد بشكل كبير على الواردات الحبوبية من أميركا الشمالية طوال معظم النصف الثاني من القرن العشرين، تغيّرت فيها الحال بعد عام من تولي بوتين في 1999 الرئاسة، حيث كان لديها عجز تجاري للقمح قدره 354 مليون دولار، إلا أن بوتين جعل إحدى أولوياته زيادة الإنتاج للوصول إلى الاكتفاء الذاتي، وبحلول 2002 أصبحت روسيا مصدّرا يبيع 884 مليون دولار من القمح كل عام، ثم تجاوزت في 2017 الولايات المتحدة وكندا، وأصبحت أكبر مصدّر، إلى درجة باعت بأكثر من 8 مليارات دولار العام الماضي وحده.
وليس صدفة أن هذا الصعود حدث بعد أن ضمت روسيا في 2014 شبه جزيرة القرم إلى أراضيها، مع أن الضم عرّضها لعقوبات غربية "إلا أن الزراعة ظلت واحدة من القطاعات القليلة التي لا تخضع للعقوبات" طبقا لما قالته Caitlin Welsh مديرة الأمن الغذائي العالمي بمركز Centre for International and Strategic Studies للدراسات الدولية والاستراتيجية.
ولأن الزراعة بقيت خارج العقوبات، فقد وفرت مصادر رئيسية للعملة الصعبة، وجعلت بوتين يرى في الحبوب مستقبلا باهرا لروسيا، لذلك عيّن Dmitry Patrushev وزيرا للزراعة، والمعروف بأنه ابن "نيكولاي باتروشيف" أمين مجلس الأمن والمدير السابق لجهاز الأمن الفيدرالي، والحليف المقرّب من بوتين، أملا بأن يضيف عام 2024 على الأقل ما يزيد عن 50% أخرى إلى قيمة الصادرات الزراعية، بحيث تصبح 12 مليارا من الدولارات.