مع اكتشاف عدد من حالات جدري القردة (monkey pox) في أماكن متفرقة في عدة قارات أصبحت هناك مخاوف حقيقية من أن يتحول المرض إلى جائحة تهدد العالم كله، وتعيد إلى الأذهان الأزمة التي واجهت القطاع الصحي في كل دول العالم، جراء جائحة «كورونا»، في نهاية عام 2019، خصوصاً أن القيود الصحية على حرية الحركة والتواصل الاجتماعي لم تنته بشكل كامل حتى الآن.
وعلى الرغم من أن هذه المخاوف لها ما يبررها بالطبع، إلا أن الخبراء لا يتوقعون أن يمثل المرض تهديداً للصحة العامة مثل فيروس «كورونا» التنفسي.
انتقال مباشر
يوضح الأطباء أن المرض ليس حديثاً، لكن تم اكتشافه في القردة التي يتم عليها الاختبارات الطبية في المختبرات، ومن هنا جاءت التسمية. وهو فيروس مشابه للفيروس الذي يسبب الجدري، لكنه أقل حدة في الأعراض جداً. وفي الأغلب كانت معظم الحالات في أفريقيا أو الذين سافروا أفريقيا أو كانوا على اتصال مستمر بحيوانات تم استيرادها من هناك، لذلك لم يكن معروفاً.
لكن مؤخراً ظهرت حالات أصيبت بالمرض دون سفر أو اتصال مباشر بالحيوانات في أوروبا والولايات المتحدة، ما أثار المخاوف من انتقاله عبر الأشخاص.
أما أعراض المرض فهي بسيطة، وفي البداية تشبه إلى حد كبير أعراض نزلة البرد مثل ارتفاع في درجة الحرارة وصداع مع آلام متفرقة في سائر أجزاء الجسم، خصوصاً العضلات. ويمكن أن يحدث تضخم في الغدد اللمفاوية (lymph nodes)، وظهور طفح جلدي، الذي يبدأ على شكل عدة بقع مسطحة تبدأ من الوجه ثم تنتشر إلى الجسم والأطراف، ثم تتحول تدريجياً إلى نتوءات تمتلئ بالسوائل وتتحول إلى بثور تشبه بثور مرض الجديري المائي (chicken pox) الذي يصيب الأطفال.
ثم بعد ذلك يحدث تقشر لهذه النتوءات، وتسقط عند حدوث الشفاء، وفي الأغلب يشعر معظم المرضى بالتحسن خلال من أسبوعين إلى أربعة أسابيع، وفي بعض الأحيان النادرة يمكن للفيروس أن يتسبب في حدوث اعتلال شديد للمصاب.
اختلاف الأعراض
تختلف الأعراض بين البالغين والأطفال. وفي الأطفال يكون ارتفاع درجة الحرارة أعلى من البالغين وبشكل متدرج، ويمكن أن تصل درجة الحرارة إلى 39 مئوية في اليوم الثالث من ظهور الأعراض، ويبدأ الطفح الجلدي في الظهور مع بداية اليوم الثالث أو الرابع. وفي الأغلب تكون الأعراض عند الأطفال أشد حدة، ويبدو الطفل في منتهى الضعف والإرهاق، وفي المقابل يكون الإحساس بالصداع أقل.
ينصح الأطباء الآباء بضرورة طلب المشورة الطبية في حالة ظهور البثور المميزة لأنواع الجدري المختلفة على جلد الأطفال، خصوصاً في وجود حالات بين البالغين ممن أصيبوا بالمرض أو تعاملوا مع مريض بشكل أو بآخر، لأن المرض ينتقل من خلال ملامسة الدم أو أي سائل من سوائل الجسم (مثل ما يحدث أثناء الاتصال الجنسي)، وكذلك مع السوائل التي تتساقط من البثور، أو حتى استخدام الفراش نفسه الذي كان ينام عليه المريض. وأيضاً ينتقل عبر كل العناصر الأخرى الملوثة بالفيروس مثل الأدوات التي كان يستخدمها المصاب. ويمكن أن تستغرق فترة حضانة المرض من التعرض للإصابة وحتى ظهور الأعراض من 5 إلى 21 يوماً، ويمكن أن يستمر المرض نفسه عدة أسابيع.
أكد العلماء أنه على الرغم من تشابه أعراض جدري القردة مع مرض الجديري المائي الذي يصيب الأطفال، إلا أن اللقاح الخاص بمنع الجديري (chickenpox) غير فعال في الوقاية من جدري القردة، خلافاً للشائعات التي أشارت إلى احتمالية حدوث مناعة مسبقة من خلال حصول الأطفال على هذا اللقاح، سواء بشكل اختياري، أو ضمن التطعيمات الإجبارية في بعض الدول.
خطوات فعالة
واللقاح الفعال لم يتم طرحه في الأسواق بعد، لكن مراكز مراقبة الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة (CDC) نصحت بأن يحصل المسافرون إلى أفريقيا على لقاح الجدري (smallpox vaccine)، ويجب أن يعرف الآباء أن هناك فرقاً كبيراً بين مرض الجدري (مرض خطير وتم القضاء عليه من خلال التطعيمات) ومرض الجديري المائي (مرض بسيط يصيب معظم الأطفال).
وأوضحت منظمة الصحة العالمية أن الإصابات حتى الآن لا تزال قليلة، ولا تمثل ظاهرة وبائية، خصوصاً أنه سبق للفيروس نفسه التفشي سابقاً بدون خسائر صحية كبيرة، وأشارت إلى أهمية الالتزام بالإجراءات الصحية العامة، والتنبيه على الأطفال بغسل الأيدي باستمرار لمدة 30 ثانية، خصوصاً بعد ملامسة الحيوانات التي يمكن أن تكون مصابة مثل الموجودة في الشوارع. ويجب تجنب ملامسة المرضى أو أي سوائل من الجسم. ويفضل ارتداء الكمامة نوعاً من الوقاية حتى الآن بجانب ضرورة طهي اللحوم جيداً، وعدم التعامل مع الأطفال المصابين بالطفح الجلدي لحين التأكد من التشخيص.
في حالة الإصابة يجب أن يحصل الطفل على كمية من السوائل (full hydration)، حتى لا يتعرض لخطر الجفاف جراء فقدان السوائل من الجسم، خصوصاً مع الارتفاع الحاد في درجة الحرارة، ويجب أيضاً استخدام خوافض الحرارة مثل مادة الباراسيتمول الفعالة والآمنة في الأطفال.
ويحذر الأطباء من استخدام المضادات الحيوية في الوقاية من المرض لأنه فيروسي، والمضاد الحيوي لا يؤثر إلا في البكتيريا فقط. وبالنسبة للطعام ليست هناك أطعمة معينة ممنوعة، لكن كلما كان الغذاء صحياً وخالياً من الدهون الضارة، كلما كان أفضل مع الوضع في الحسبان أن يكون من الأطعمة التي يفضلها الطفل، حيث إن الإصابة تسبب فقدان الشهية، ومع طول فترة المرض يحتاج الطفل للغذاء الكافي.
* استشاري طب الأطفال