بينما بقيت مبادرة النواب المستقلين تراوح مكانها، فإن كلتا القوتين الشيعيتين الكبيرتين (التيار الصدري والإطار التنسيقي) ليست مستعدة لتنازل إحداهما للأخرى، رغم مرور 7 أشهر على إجراء الانتخابات البرلمانية. فالانسداد السياسي في البلاد يتواصل، لا سيما مع عدم وجود أي مؤشرات بتقارب كردي ـ كردي يمكن أن يحل عقدة منصب رئيس الجمهورية.
في غضون ذلك، انتقلت ساحة التنافس بين التحالفين من بحث عن حل لعقدة رئيس الجمهورية إلى البرلمان. فالصدر الذي منح خصومه في البيت الشيعي أكثر من مهلة لتشكيل الحكومة من دونه بدأ يتصرف من داخل البرلمان عبر تمرير القوانين التي يرغب في تمريرها. والأهم من ذلك أنه أجبر خصومه الشيعة على التصويت بالإجماع على قانون تجريم التطبيع مع إسرائيل من منطلق أنه لا يمكن الوقوف ضد هذا القانون. ويقود مقتدى الصدر التحالف الثلاثي، بينما الإطار التنسيقي بقيادة مجموعة من الشخصيات، أبرزها نوري المالكي وهادي العامري وقيس الخزعلي وعمار الحكيم وحيدر العبادي.
لكن الصدر الذي كان صاحب الفكرة والمشروع، أدى بعد تشريع القانون صلاة الشكر، بينما عاد خصومه الذين منحوه فرصة هذا الانتصار إلى الخصومة معه بشأن الموقف من رئيس الوزراء. الأمر نفسه ينطبق على حليفه الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني الذي صوت نواب حزبه على تجريم قانون التطبيع، رغم ظهور أصوات في كردستان بالوقوف ضد هذا القانون، أقله من ناحية كون العراق قد شرّع منذ عام 1969 قانوناً يحرم الترويج للصهيونية، وبالتالي فإن هذه الأصوات ترى أن لهذا القانون بُعداً سياسياً لا أكثر.
ليس هذا فقط بل إن قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي تحول هو الآخر إلى ساحة صراع وتنافس بين الكتلتين الشيعيتين ومن معهما من حلفاء. فرغم قيام المحكمة الاتحادية العليا بنقض مشروع القانون الذي قدمته حكومة مصطفى الكاظمي إلى البرلمان كبديل عن مشروع الموازنة الذي لا يمكن تقديمه من حكومة تصريف أعمال، فإن التيار الصدري الذي يملك الأغلبية داخل البرلمان تمكن من إعادة تقديمه ثانية إلى البرلمان من بوابة أخرى يسمح بها الدستور، وهي مقترح قانون لا مشروع قانون.
ولأن الصدر يملك الأغلبية المريحة داخل البرلمان لتمرير القوانين التي تحتاج فقط إلى الأغلبية البسيطة (النصف زائد واحد) أو الأغلبية المطلقة من عدد الحضور داخل جلسة كاملة النصاب للبرلمان. وفي حال تم تشريع هذا القانون الذي بات من الصعب نقضه من قبل الاتحادية لعدم وجود سند دستوري لها، فإن الصدر سوف يسجل انتصاراً كبيراً لصالحه على خصومه في قوى الإطار التنسيقي كون الحكومة التي يترأسها الكاظمي حالياً تصنف من قبل قوى الإطار التنسيقي بأنها قريبة من الصدر.
الخلاف على هذا القانون بين كتلتي الصدر والإطار ينسحب على ما يمكن أن يوفره هذا القانون من أموال تستطيع الحكومة التصرف فيها، لا سيما في حال تمرير القانون بما قدمته الحكومة بمبلغ قدره نحو 41 تريليون دينار عراقي (نحو 35 مليار دولار أميركي)، بينما الإطار التنسيقي يرى أن الحاجة الفعلية لا تتعدى 11 مليار دولار. وبصرف النظر عما إذا كان هذا القانون بديلاً عن الموازنة المالية أم لا، فإن من شأنه أن يطيل أمد الأزمة السياسية التي سوف تكون ضاغطة أكثر على قوى الإطار التنسيقي، لا سيما في ظل استمرار الكاظمي المدعوم من الصدر، وهو ما يعني أنها إما أن تضطر إلى تقديم تنازلات ينتظرها الصدر وإما أن تلجأ إلى طرق أخرى للتعامل مع الأزمة، بما في ذلك ركوب موجة الشارع الغاضب أصلاً من تردي الخدمات، خصوصاً الكهرباء التي هي الملف الساخن كل صيف عند بدء اشتداد درجات الحرارة.
وبينما شكل الصدر عبر كتلته، التي تصدرت نتائج الانتخابات (75 نائباً)، تحالف «إنقاذ وطن» الذي ضم «السيادة» السني والديمقراطي الكردستاني، فإن «الإطار التنسيقي» بقواه المختلفة وبتعدد قياداته، كتلاً وفصائل، تمكّن هو الآخر من تشكيل تحالف ضم إلى جانبه الاتحاد الوطني الكردستاني و«عزم» السني. كلا التحالفين فشل على امتداد الشهور الماضية في تشكيل حكومة جديدة في وقت تواصل حكومة مصطفى الكاظمي التي تقوم بتصريف الأعمال مسؤولياتها وسلطاتها كافة ما عدا توقيع الاتفاقيات.
وتتمثل العقدة في تحالف الأغلبية الذي يملكه الصدر الداعي إلى تشكيل حكومة أغلبية وطنية، لكنه لم يتمكن من جمع الأصوات الكافية لانتخاب رئيس للجمهورية، كون منصب رئيس الجمهورية طبقاً للدستور، يحتاج إلى أغلبية ثلثي أعضاء البرلمان، ما يعني جمع 220 صوتاً من مجموع 329 صوتاً. ولأن الحزبين الكرديين اللذين يتعين عليهما التوافق لاختيار مرشح واحد لهذا المنصب الذي هو من الناحية العرفية من حصة الكرد، فإن الفشل في الوصول إلى توافق أدى إلى تجاوز وخرق المدد الدستورية.