أطلق «الحزب الديمقراطي الكردستاني» بزعامة مسعود بارزاني، في الأيام الثلاثة الماضية، رسائل مركبة بشأن موقفه من مفاوضات تشكيل الحكومة، تهدف إلى إرباك «الإطار التنسيقي» الشيعي ودفع انقسامه إلى السطح.
وقال بنكين ريكاني؛ القيادي في الحزب الكردي، لإحدى محطات التلفزيون المحلية، إن انسحاب «البارتي»، كما فعل زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر، ليس مستبعداً، فيما قال عرفات كرم، وهو عضو في الحزب، إن «الإطار التنسيقي» لن ينجح في تشكيل الحكومة الجديدة دون أن يحصل على موافقة الصدر.
حزمة من الرسائل الاستباقية للتفاوض الذي قد لا يحدث أبداً، وتتزامن مع خطوتين اتخذهما «الحزب الديمقراطي الكردستاني»، قد تفسر جانباً من استراتيجية التفاوض؛ الإعلان عن «تماسك تحالف (إنقاذ الوطن)» حتى مع انسحاب الصدر، وتشكيل وفد تفاوضي جديد يضم 3 شخصيات تتمتع بعلاقات واسعة مع «الإطار»: وزير الإسكان الأسبق بنكين ريكاني، ووزير الخارجية فؤاد حسين، والنائب الثاني لرئيس البرلمان شاخوان عمر.
وتتأثر آليات التفاوض التي يعتمدها «البارتي» بمناخ مضطرب منذ 8 أشهر، تعرضت خلاله أربيل إلى سلسلة من الهجمات الصاروخية تزامنت مع حملة تخوين واتهامات بالعمالة، لكن هذه الآليات لا تهدف إلى الانتقام؛ بل إلى استغلال الفرصة مع «الإطار».
لكن الإشارة إلى تماسك تحالف الأغلبية، مع الوضع الدقيق الذي فرضه الصدر، قد تعني وجود اتفاق بين أطراف «إنقاذ وطن» على دور تكاملي في إدارة الأزمة وإيقاع «الإطار التنسيقي» في فخ العجز السياسي عن اتخاذ خطوة سياسية مضمونة، بلا عواقب.
وكشفت «الشرق الأوسط»، أمس، عن حوار دار بين زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر، وزعيم «الحزب الديمقراطي الكردستاني» مسعود بارزاني، الذي سأل عن «آليات التعامل مع تداعيات قرار الانسحاب»، وهو أمر ترجمه خبراء وسياسيون كرد على أنه «تعزيز للتحالف بينهما».
لكن فرضية أخرى تفيد بأن الصدر ترك لحلفائه من السنة والكرد الخيارات السياسية للتفاوض مع «الإطار التنسيقي»، وثمة ما يدعمها حين صرح رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، في اليوم التالي لاستقالة نواب الكتلة الصدرية، بأن «تفاهمات جديدة انطلقت لتشكيل حكومة تتحمل المسؤولية»، مما يعني أن «البارتي» اتخذ قراره بالمشاركة في حكومة يقودها «الإطار»، وهذا يفرض سياقاً مختلفاً في التفاوض، يعتمد أساساً على إحراج قوى «الإطار» أمام قواعده الجماهرية بأنه سيدعو «طرفاً عميلاً» ليكون شريكه في الحكم. وسيكون هذا «الإحراج» مفتتحاً لمفاوضات شاقة وطويلة بين الحزب الكردي و«الإطار»، ومن المرجح أن تتضمن محاور إشكالية؛ أبرزها منصب رئيس الجمهورية، وقانون النفط والغاز، والأحكام القضائية الفيدرالية التي حرمت إقليم كردستان من حق التصرف في الحقول النفطية.
ليس من المرجح أن تسفر هذه المفاوضات عن تسويات راسخة وحاسمة، نظراً إلى عجز المنظومة السياسية عن إنتاج حلول استراتيجية، وبهذا يكون «البارتي» في مفاوضاته عاملاً في إنهاك «الإطار التنسيقي» وإيقاعه في تناقضات سياسية تفقده القدرة على تمثيل المكون الشيعي.
في المقابل؛ تتأكد واقعياً قدرة حزب بارزاني على فرض شروطه هذه المرة؛ لأن وجوده في أي حكومة إطارية ضروري لجعلها مقبولة دولياً وإقليمياً، فضلاً عن أن الحليف السني في تحالف «السيادة» لن يتحرك منفرداً في المفاوضات من دون أن ينسق المواقف مع بارزاني في أربيل.