يقول الدكتور بريان إف مانديل، رئيس تحرير مجلة «كليفلاند كلينك» الطبية، في معرض حديثه عن علاج الزائدة الدودية «هناك توجيهات إكلينيكية أتذكر تكرارها في أماكن متعددة أثناء دراستي في كلية الطب، ودورات التدريب في أقسام الأطفال والجراحة والإسعاف كطبيب مقيم ومعالج، وهي أن المريض المحتمل إصابته بالتهاب حاد في الزائدة الدودية Acute Appendicitis يتم تقييمه من قِبل طبيب الجراحة، مع توقع ذهابه بعد ذلك إلى غرفة العمليات. كما أن بعض أولئك المرضى الذين لا يعانون من التهاب الزائدة الدودية بالفعل، يحتاجون إلى الذهاب إلى غرفة العمليات لتجنب تفويت فرصة تلقي العلاج المناسب جراحياً. وربما كان من السذاجة، أني لم أتساءل عن الأسس العلمية لهذه الممارسة. ومع ذلك، على مدى العقدين الماضيين، قامت العديد من الدراسات بتقييم نهج بديل لمعالجة التهاب الزائدة الدودية الحاد، أي العلاج بالمضادات الحيوية والمراقبة الطبية».
وقد ورد حديث الدكتور مانديل هذا في مطلع مقالته التقديمية لدراسة المراجعة الطبية لأطباء الجراحة في «كليفلاند كلينك»، التي كانت بعنوان «معالجة التهاب الزائدة الدودية: هل حان الوقت للتغيير؟»، التي نشرت ضمن عدد يونيو (حزيران) الحالي من مجلة «كليفلاند الطبية» Cleveland Clinic Journal of Medicine
– التهاب الزائدة الدودية
قال الباحثون في مقدمة مراجعتهم العلمية «التهاب الزائدة الدودية هو إحدى أكثر حالات الطوارئ الجراحية العامة شيوعاً، حيث يُقدر خطر الإصابة على مدى الحياة بنسبة 9 في المائة في الولايات المتحدة للفرد. وتتم معالجة أكثر من 95 في المائة من مرضى التهاب الزائدة الدودية في الولايات المتحدة، عن طريق استئصال الزائدة الدودية جراحياً. وهو ما يمثل عبئاً كبيراً على الرعاية الصحية. وعلى الرغم من أن العلاج بالمضادات الحيوية قد تم استخدامه بنجاح كعلاج بديل لأكثر من 60 عاماً، فإن ذلك لم يحلّ محل التدخل الجراحي باعتباره العلاج الأساسي».
وأوضح الباحثون، أنه تم بحث ومناقشة معالجة التهاب الزائدة الدودية الحاد بشكل مكثف على مر السنين. ولقد دققت الدراسات الاكلينيكية في معالجة التهاب الزائدة الدودية لدى البالغين، ولكن العديد من هذه الدراسات شملت عينات صغيرة الحجم، واستبعد المرضى الذين يعانون من حصاة الزائدة الدودية Appendicolith (تجمع وجفاف البراز داخل الزائدة الدودية)؛ مما يحد من إمكانية تعميم نتائج تلك الدراسات. ولكن «مؤخراً سلطت دراسة إكلينيكية ضوءاً جديداً، بمقارنتها نتائج تجربة تلقي المضادات الحيوية، مع استئصال الزائدة الدودية جراحياً». وهي الدراسة المشهورة عالمياً باسم «دراسة كودا» CODA Trial. وأضافوا ما ملخصه، أنها كانت دراسة إكلينيكية أكبر، واشتملت معايير أوسع مما كانت عليه في التجارب السابقة. وخلصت الدراسة إلى أن المضادات الحيوية لم تكن أدنى نجاح في نتائج معالجة المرضى، مقارنة باستئصال الزائدة الدودية جراحياً، بناءً على استبيان جودة الحياة الذي تم التحقق منه.
ولكنهم أوضحوا، أنه «في النهاية، يجب أن يعتمد النهج العلاجي على اتخاذ القرار المشترك بين الجراح والمريض. ويظل استئصال الزائدة الدودية جراحياً هو تفضيلنا العام وتوصيتنا المستمرة. ومع ذلك، ففي حالات مثل جائحة (كوفيد – 19) COVID – 19. عندما تكون موارد المستشفى تحت الضغط، قد تكون المعالجة بالمضادات الحيوية هي الخيار الأفضل لإدارة جيدة للموارد. كما أن تأثيرات الجراحة والتخدير لدى المرضى الذين قد يكون لديهم (كوفيد – 19) ليست مفهومة تماماً، وربما يفضلون التعامل مع المضادات الحيوية في مثل هذه الأوقات».
مقطع عرضي للزائدة الدودية الملتهبة لدى الأطفال
– علاج بمضادات حيوية
وللتوضيح، قارنت «دراسة كودا» العلاج بالمضادات الحيوية (دورة كورس علاجي لمدة 10 أيام)، مع العلاج الحراجي لاستئصال الزائدة الدودية في 25 مركزاً طبياً أميركياً. وركزت «النتائج الأولية» في الغالب على الحالة الصحية للمريض خلال مدة 30 يوماً التالية، والتي تم تقييمها باستخدام مسح الحالة الصحية واستبيان جودة الحياة الأوروبية.
وكانت «النتائج المتقدمة» تشمل معدل الاضطرار إلى استئصال الزائدة الدودية في نهاية المطاف فيما بين مجموعة مُتلقي المضادات الحيوية، ومعدل المضاعفات لدى المرضى خلال 90 يوماً التالية. وكان حجم العينة في تجربة كودا أكبر من الدراسات السابقة، وشمل المرضى الذين يعانون من التهاب حصاة الزائدة الدودية الحاد.
وخلصت نتائج الدراسة إلى أن المضادات الحيوية لم تكن أدنى تأثير من استئصال الزائدة الدودية جراحيا للبالغين المصابين بالتهاب الزائدة الدودية الحاد، وهذا الاستنتاج ينطبق أيضاً على المرضى الذين يعانون من حصاة الزائدة الدودية. كما كان زوال الأعراض، مثل الألم والحمى، متشابهاً لكلتا المجموعتين. وما يقرب من نصف المرضى الذين تلقوا المضادات الحيوية لم يتم إدخالهم إلى المستشفى. كما أنه وبشكل عام، غاب المرضى الذين تلقوا المضادات الحيوية أيام عمل أقل من أولئك الذين خضعوا لاستئصال الزائدة الدودية.
ولكن لدى المرضى الذين تلقوا المضادات الحيوية ولم تُفلح في عملها لديهم، وتم إجراء عملية استئصال الزائدة الدودية لهم لاحقاً، كانت المضاعفات الجراحية لديهم أعلى. وهذا الارتفاع كان في الغالب لدى منْ كان لديهم بالأصل حصاة الزائدة الدودية، وليس مجرد التهاب الزائدة الدودية الحاد لأسباب أخرى. وكان هذا متوقعاً؛ لأن مضاعفات جراحة الزائدة الدودية غالباً ما تكون أعلى في هذه الفئة من المرضى أصلاً. وهو ما وثقته نتائج دراسات إكلينيكية سابقة.
وأشار الباحثون أيضاً إلى دراسة أخرى، غير «دراسة كودا»، تم نشرها عام 2017، وقام فيها الباحثون بمراجعة تحليلية لخمس دراسات أخرى سابقة، وأفادت بأن العلاج بالمضادات الحيوية رافقه معدلات مضاعفات أقل وإعاقة أقصر، بالمقارنة مع استئصال الزائدة الدودية جراحيا.
وأضاف الباحثون «ولكن نحو ثلث المرضى الذين تلقوا المضادات الحيوية خضعوا في نهاية الأمر لاستئصال الزائدة الدودية جراحياً في غضون 90 يوماً التالية».
وفي استنتاجاتهم بالنسبة للمرضى البالغين، قال الباحثون «في (دراسة كودا)، احتاج 3 من كل 10 مرضى في مجموعة العلاج بالمضادات الحيوية إلى الجراحة في النهاية. ولكن من وجهة نظر أخرى، تجنب 7 من كل 10 مرضى تلك الجراحة، وفقدوا وقت عمل أقل. ومع ذلك، تظل الحاجة إلى استئصال الزائدة الدودية في نهاية المطاف، وتكرار دورات المضادات الحيوية، أكثر أهمية عند الاختيار بين العلاجات».
– التهاب الزائدة الدودية لدى الأطفال و«كوفيد ـ 19»
أفاد الباحثون بأن الدراسات الحديثة تظهر أن الأطفال المصابين بالتهاب الزائدة الدودية يمكن علاجهم بأمان بالمضادات الحيوية وحدها، لكن ما يصل إلى ثلث المرضى سيضطر في غضون عام واحد إلى الخضوع للجراحة لاستئصال الزائدة الدودية. ولذا؛ قال الباحثون «من وجهة نظرنا، يجب أن يظل الاستئصال الجراحي للزائدة الدودية هو الخيار الروتيني لعلاج التهاب الزائدة الدودية لدى المرضى الأطفال».
وتحت عنوان «التهاب الزائدة الدودية في عصر (كوفيد – 19)»، يقول أطباء الجراحة في كليفلاند كلينك ضمن مراجعتهم الطبية الحديثة «أثار مرض (كوفيد – 19) أسئلة جديدة حول علاج التهاب الزائدة الدودية. وحددت العديد من التقارير حالة «المتلازمة الالتهابية متعددة الأجهزة» Multisystem Inflammatory Syndrome عند الأطفال المصابين بـ«كوفيد – 19»، كحالة تحاكي التهاب الزائدة الدودية، وقد تحدث مع التهاب الزائدة الدودية. وفي وقت مبكر من الجائحة، ارتبطت قيود الإغلاق بالتغيرات في حدوث التهاب الزائدة الدودية. ووجدت إحدى الدراسات انخفاضاً كبيراً في عدد المرضى الذين يعانون من التهاب الزائدة الدودية في عام 202، مع أخذ الباحثين (في تلك الدراسة) في الاعتبار ما إذا كان يمكن أن يُعزى الانخفاض إلى عوامل اجتماعية متغيرة أو تأثيرات بيئية».
وأضافوا، أن محدودية توفر الموارد لتنويم المرضى خلال تفشي جائحة «كوفيد – 19» أدت إلى تحول بعض المراكز إلى المعالجة غير الجراحية لالتهاب الزائدة الدودية. وفي دراسة متعددة المراكز، تمت مقارنة مرضى الأطفال الذين يعانون من التهاب الزائدة الدودية في منطقة حضرية كبرى من مارس (آذار) حتى مايو (أيار) 2020، بما يتوافق مع ذروة تفشي «كوفيد – 19» في تلك المنطقة، مع المعدلات خلال السنوات الخمس السابقة. ومن بين 55 طفلاً أصيبوا بالتهاب الزائدة الدودية الحاد على مدى 10 أسابيع في عام 2020، كان معدل الانثقاب في الزائدة 45 في المائة مقارنة بمعدل 27 في المائة في السابق. ولكن لم تكن هناك فروق في معدلات الانثقاب أو مدة الإقامة بين الأطفال المصابين بفيروس «كوفيد – 19» والأطفال السلبيين خلال فترة الجائحة. وعزت بعض المراجعات ارتفاع الانثقاب للزائدة الدودية خلال تلك الفترة باحتمال التأخر في الحضور إلى قسم الإسعاف.
– أعراض وأسباب التهاب الزائدة الدودية وخطوات المعالجة
الزائدة الدودية جراب يشبه الإصبع، يبرز من القولون في أسفل المنطقة اليمنى من البطن. وهي عُرضة للالتهاب بشكل سريع، وتسمى الحالة التهاب الزائدة الدودية الحاد. وتسبب هذه الحالة ألماً يبدأ في معظم الأشخاص حول السُرة، ثم ينتقل إلى أسفل المنطقة اليمنى من البطن. ويزداد ألم التهاب الزائدة الدودية عادة، ويشتد في النهاية؛ ما يضطر المريض للحضور إلى قسم الإسعاف بالمستشفى. وقد يزيد الألم عند السعال، أو المشي أو القيام بحركات مفاجئة. كما قد يرافقه غثيان وقيء، وفقدان الشهية، وحمى منخفضة الدرجة.
وتفيد المصادر الطبية، بأن من المرجح أن يكون سبب التهاب الزائدة الدودية انسداداً في بطانة الزائدة الدودية؛ ما يؤدي إلى العدوى الميكروبية.
وللتوضيح، يحدث التهاب الزائدة الدودية بسبب انسداد الجزء المجوف من الزائدة الدودية. وغالباً يحصل هذا السدد بسبب كتلة متحجرة من البراز. كما قد يحصل السدد بسبب إما: التهاب الأنسجة اللمفاوية نتيجة عدوى الفيروسية، أو وجود طفيليات، أو حصوة المرارة، أو أورام. وبالتالي يؤدي هذا الانسداد إلى زيادة الضغط في الزائدة الدودية، ومن ثم انخفاض تدفق الدم إلى أنسجة الزائدة الدودية. وحينئذ تكون الظروف ملائمة لنمو وتكاثر البكتيريا داخل الزائدة الدودية؛ مما يسبب الالتهاب. ومن الممكن آنذاك أن تتكاثر البكتيريا بسرعة؛ مما يؤدي إلى التهاب الزائدة الدودية وتورمها وامتلائها بالصديد.
وفي هذه الحالة، يُجري الطبيب الفحص الإكلينيكي للجسم، وللبطن على وجه الخصوص. وثمة علامات تدل الطبيب على ارتفاع احتمالات وجود التهاب في الزائدة الدودية. ويُجرى الطبيب تحاليل للدم، خاصة التأكد من وجود ارتفاع في خلايا الدم البيضاء، مع عدم احتمالات وجود التهاب أو حصاة في المسالك البولية، أو أي اضطرابات في المبايض لدى الإناث. وقد يُجري الطبيب أيضا تصوير البطن بالأشعة، وخاصة الأشعة المقطعية أو بالرنين المغنطيسي للتأكد من حالة الزائدة الدودية والأعضاء المجاورة في البطن.
وإذا لم تتم معالجة التهاب الزائدة الدودية على الفور، يمكن أن تنفتق. ويُؤدي الانفتاق إلى انتشار العدوى في كل البطن (التهاب الصفاق). وهذه الحالة قد تهدد الحياة، وتتطلب جراحة فورية لإزالة الزائدة وتنظيف تجويف البطن. أو أن يتسبب الانفتاق بتكوين جيب من الخراج، ما يتطلب من الجراح في الغالب، تصريف الخراج أولاً، عن طريق وضع أنبوب في الخراج من خلال جدار البطن. ويُترك الأنبوب في مكانه لمدة أسبوعين تقريباً، وتُعطى مضادات حيوية لعلاج العدوى، ثم تُجرى عملية إزالة الزائدة.
– استشارية في الباطنية