في أوضاع مضطربة يسودها الانقسام والتوتر الأمني، تغادر الدبلوماسية الأميركية المخضرمة ستيفاني ويليامز، مع نهاية اليوم، موقعها كمستشارة للأمين العام للأمم المتحدة في البعثة الأممية لدى ليبيا، دون أن تنجز البلاد أي خطوة إلى الأمام باتجاه المسار الانتخابي، مخلفة وراءها «حملاً ثقيلاً».
ووسط ترقب ليبي لتعيين المبعوث الثامن للبلاد، على أمل إحداث اختراق حقيقي ينهي الصراع السياسي المتفاقم، أعلن مكتب الأمم المتحدة في ليبيا عن مغادرة ويليامز منصبها مع نهاية يوليو (تموز) الجاري، وسط تساؤلات عمّن سيخلفها.
وردّ نائب المتحدث الرسمي، فرحان حق، على أسئلة الصحافيين خلال مؤتمر عقد في مقر الأمم المتحدة بنيويورك مساء أمس، قائلاً: «نحاول في أسرع وقت ممكن تسمية شخص مؤقت للقيام بنوع المهمّات التي تقوم بها ويليامز، ولكن ليس لدينا أحد لتسميته الآن».
وتوقع سليمان البيوضي، رئيس حزب «التجديد» الليبي، إقدام الأمين العام للأمم المتحدة على إعلان اسم مبعوثه الأممي الجديد خلال أيام، ورأى أن المبعوث الجديد «يحظى بثقة ودعم من الدول الكبرى، ووافقت عليه مبدئياً»، مبرزاً أن «خطة المبعوث الجديد ستركز على إجراء الانتخابات الليبية، وقد يتزامن وصوله مع فورة عنف محدودة لترتيب أوضاع ما بعد الصراع».
ومدد مجلس الأمن الدولي نهاية الأسبوع الماضي ولاية البعثة الأممية في ليبيا 3 أشهر إضافية، وسط استنكار محلي ودولي لقصر هذه المدة، وتأثيرها على مدى إنجاز المهام الموكلة إلى البعثة.
وحول الفراغ الذي قد ينتج عن ترك ويليامز منصبها، قال حق إن «بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا موجودة، والشخص الذي يتولى المسؤولية هو ريزدون زنينغا، وسيظل هو المسؤول إلى حين تسمية شخص آخر».
وحول ما إذا كانت هناك أي تعليقات من الأمين العام، أنطونيو غوتيريش، حول مغادرة ويليامز منصبها، قال حق: «لقد قامت بعمل مذهل، وفي الحقيقة نحن في الأمم المتحدة كنا نأمل في إمكانية تمديد مدة عملها أكثر من نهاية شهر يوليو؛ لكن تبيّن أن لديها التزامات أخرى… وسنواصل البحث عمّن يخلفها مع البناء على إنجازاتها، وأنتم تعلمون العمل الهائل الذي قامت به لضمان أن يكون لليبيا مؤسسات موحدة، وأن تعمل هيئاتها معاً… وفعلت كل ما يمكن لأي شخص أن يفعله في محاولة لإيجاد حلول»، على حدّ تعبيره.
وعملت ويليامز قرابة 4 أعوام ونصف عام في ليبيا، وشغلت منصب ممثلة خاصة بالإنابة ورئيسة لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، خلفاً للمبعوث غسان سلامة، ما بين 2020 و2021، ونائبة الممثل الخاص للبعثة ما بين 2018 و2020، ثم عينت مستشارة للأمين العام للأمم المتحدة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
ويحمّل سياسيون ليبيون كثيرون البعثة الأممية مسؤولية «تعقيد قضيتهم»، من خلال «ترحيل الأزمة»؛ لكن هناك من يرى أن رحيل ويليامز يأتي في «وضع حرج»؛ مشيرين إلى أنها «باتت تدرك طبيعة الخلافات، وعملت منذ تعيينها على التعاطي مع مجلسي: النواب، والأعلى للدولة، في ليبيا؛ لكنها الآن تترك وراءها حملاً ثقيلاً وتغادر».
وفي آخر تصريح لها، تحدثت ويليامز عن علاقتها بالنخبة السياسية في ليبيا، وقالت إنها «حذرت الجميع بعد إلغاء الانتخابات نهاية العام الماضي، من أن الطبقة السياسية ستلعب لعبة الكراسي الموسيقية، بدلاً من إعادة توجيه البلاد إلى مسار الانتخابات، وأنها ستأخذ تلك الكعكة وتوزعها بين أفرادها».
وأضافت ويليامز في حوار مع فضائية «الحدث»، أمس، موضحة أن «بعض الأشخاص اختطفوا المستقبل السياسي في ليبيا، وهذا هو السبب الذي دفع العديد من الشبان للخروج إلى الشوارع للتظاهر… وخلال مدة عملي على الملف الليبي منذ 4 سنوات ونصف سنة، أستطيع أن أصف الطبقة السياسية في ليبيا بأنها انتهازية، وتتبع مصالحها الخاصة».
وفي آخر تعليق لها على «تويتر»، هنأت ويليامز الليبيين بالعام الهجري الجديد، وتمنت أن «يحمل لهم كل معاني وقيم الخير والسلام والاستقرار». ومنذ أن عملت ويليامز مستشارة للأمين العام، وهي تؤكد أن «الطريق الأوحد لتحقيق السلام والاستقرار في البلاد، هو إجراء انتخابات وطنية شاملة حرة ونزيهة»؛ لكن مساعيها باتجاه إيجاد توافق بين الأطراف السياسية في البلاد حول «المسار الدستوري» اللازم لإجراء الاستحقاقات العامة، تعثرت، ما يطرح السؤال مجدداً حول قدرة المبعوث القادم على العبور بالبلاد إلى الاستقرار وإجراء الانتخابات.