يسير الغليان الشعبي والسياسي بخط متصاعد منذ قرار الصدريين دخول المنطقة الخضراء والاعتصام في مبنى البرلمان الاتحادي ببغداد، السبت الماضي، ما يزيد المخاوف من إمكانية تفجر الأوضاع بين الصدريين والجماعات المتعاطفة معهم من جهة، وبين خصومهم من قوى «الإطار التنسيقي» من جهة أخرى، وبات من الشائع بالنسبة لمعظم المنصات الخبرية القريبة والتابعة للتيار الصدري نقلها أحاديث عن رجال دين وشخصيات نافذة داخل التيار تتعلق بالحماس لسماع «البيان رقم 1» الذي يفترض أن يقوم بتصفير العملية السياسية ويطيح بالنظام السياسي الذي تشكل بعد عام 2003 ويقلبه رأساً على عقب. وقد عبر مقتدى الصدر، أول من أمس، عن هذا المعنى بأوضح عبارة حين اعتبر ما يجري من احتجاجات وتحركات لأتباعه أنها «فرصة أخرى لتبديد الظلام والظلامة والفساد والتفرد بالسلطة والولاء للخارج والمحاصصة والطائفية، هي فرصة عظيمة لتغيير جذري للنظام السياسي والدستور والانتخابات».
لحظة الوصول إلى ذروة الصدام اقتربت بنظر معظم المراقبين، خصوصاً بعد ما تردد عن إعلان التيار «النفير العام» والدعوة التي وجهها صالح محمد العراقي المعروف بـ«وزير الصدر» إلى «جميع المحافظات عدا النجف إلى مظاهرات (ترفع الرأس) لإسناد متظاهري (الخضراء) في بغداد»، رداً على توجيهات «اللجنة التحضيرية لدعم الشرعية» التابعة لقوى الإطار التنسيقي للخروج بمظاهرات مضادة في منطقة الجادرية ببغداد عند الشارع المؤدي إلى الجسر المعلق العابر إلى المنطقة الخضراء.
وبحسب بيان أصدرته اللجنة التحضيرية، فإن الدعوة للمظاهرات المضادة موجهة لجميع العراقيين وستنطلق عند الساعة الخامسة من عصر اليوم (الاثنين)، وهدفها «الدفاع عن الدولة وشرعيتها ومؤسساتها الدستورية والعملية الديمقراطية وليست موجهة ضد شخص أو فئة بعينها».
وأوصت اللجنة المتظاهرين المفترضين بـ«عدم الدخول إلى المنطقة الخضراء وانتظار التعليمات الخاصة بهذا الصدد».
كما أوصتهم بالتعاون مع الأجهزة الأمنية والاقتصار على «حمل العلم العراقي والرايات الحسينية وبيارق العشائر المحترمة فقط»، إلى جانب «عدم الانجرار وراء الشائعات ورفض الشعارات الاستفزازية».
ورغم التأكيدات على أن لجنة المظاهرات المضادة تمثل قوى الإطار التنسيقي، فإن ثمة الكثير من الشكوك حول نجاعة وقدرة هذه اللجنة على إخراج مظاهرات مضادة للصدريين وبقية الاتجاهات المتعاطفة معهم، بالنظر للأعداد الكبيرة الموجودة في مبنى البرلمان والمنطقة الخضراء بشكل عام، إلى جانب ما يشاع عن الانقسامات الحادة داخل القوى الإطارية بشأن جدوى أهمية وجدوى الخروج بمظاهرات مضادة قد تؤدي إلى صدامات مع الصدريين المتحمسين للرد على من يصفونهم بـ«قوى الإطار التبعي»، في إشارة إلى ارتباط وتبعية معظم قواه إلى نظام ولاية الفقيه الإيراني.
ويتردد عن أن بعض عناصر «الحشد الشعبي» المرتبطين ببعض الفصائل المسلحة يرفضون الالتحاق بالمظاهرات المضادة لخشيتهم من عواقب ما يترتب على ذلك، خصوصاً أن معظمهم يعيش في الأحياء التي يسيطر عليها التيار الصدري ومعظمهم كان من أتباع الصدر قبل أن يلتحق بالفصائل الأخرى بحثاً عن فرص للعمل والتوظيف.
ومع كل التوتر ولحظة الغليان التي تشهدها البلاد ومع التأكيدات الصدرية على قضية التغيير الجذري للنظام، لم يتمكن معظم المراقبين المحليين من الذهاب بعيداً والجزم بأن الصدر وتياره عازم وبشكل نهائي على تصفير العملية السياسية والبدء من جديد، وما يترتب على ذلك من إلغاء الدستور المصوت عليه من أغلبية ثلثي العراقيين وحل الحكومة والبرلمان، إذ إن الصدريين لم يضعوا الخطوط العامة لذلك، أو على الأقل لم يتحدثوا عن ذلك ولم يخرجوه للعلن، وما زال الجميع، صدريون وغيرهم، يدورون في دوامة مهلكة من التكهنات والترقب.