تشمل اختبارات فحص السرطان عدداً كبيراً من الفحوص، سواء الشعاعية منها أو المختبرية أو التنظيرية أو أخذ عينات نسيجية للفحص تحت الميكروسكوب. وتعدّ صور الثدي الشعاعية ومسحات عنق الرحم – جنباً إلى جنب مع الإجراءات الأخرى مثل تنظير القولون – من أهم فحوص السرطان.
وبالنسبة إلى بعض النساء، فقد لا تكون المرأة متحمسًة بشكل كافٍ عندما يواجهها طبيبها بأنها على وشك إجراء تصوير للثدي بالأشعة السينية(الماموغرام (mammogram، أو عمل مسحة لعنق الرحم (pap smear) رغم أن هذه الاختبارات قد أثبتت جدواها، ومدى إمكاناتها في تشخيص السرطان أو التوصل إلى تحديد عوامل الخطر التي تؤدي للسرطان، والتي يمكن أن تتيح التشخيص والعلاج في وقت مبكر أكثر من الانتظار حتى تظهر الأعراض الواضحة. على سبيل المثال، بحلول الوقت الذي تأتي فيه المرأة بسبب معاناتها من بعض أعراض سرطان عنق الرحم الواضحة، مثل النزيف أو الألم قد يكون السرطان أكثر تقدماً وفي مرحلة يصعب فيها العلاج.
لسوء الحظ؛ فإن ما ذُكر عن تأخر النساء في الكشف عن السرطان مبكراً، ينطبق تماماً عند الذكور أيضاً، حيث لا يحصل الكثير من الأشخاص على فحوص السرطان الموصى بها، كما أن بعض الناس لديهم معدلات فحص أقل من غيرهم. فما هي الأسباب والمعوقات لعمل الاختبارات؟ وكيف يمكن تفاديها؟
– معوقات إجراء الفحوص
تستعرض الدكتورة جين نجيرو (Dr. Jane W. Njeru) الاستشارية في قسم الطب الباطني المجتمعي وطب الشيخوخة والرعاية التلطيفية في مايو كلينيك في روتشستر، مينيسوتا، أهم المعوقات والحواجز التي تحول دون قيام بعض هؤلاء الأشخاص بعمل فحص السرطان المطلوب منهم بواسطة أطبائهم المعالجين، وهي كالتالي:
* العِرق والجنسية والتوجه الجنسي. لقد وُجد أنها ترتبط بتفاوت معدلات عمل فحص السرطان المبكر. هذه العوامل، التي تفاقمت بسبب الوضع الاجتماعي والاقتصادي المنخفض، تشكل الآن حاجزاً رئيسياً عبر الطيف العِرقي والإثني. ويواجه بعض السكان حواجز متعددة في الوقت نفسه؛ مما يزيد من خطر عدم الخضوع للفحص.
* تبعات ومضاعفات فحوص الكشف عن السرطان. يمكن أن تسهم الفوارق في الفحص في حدوث اختلافات في تشخيص السرطان وعلاجه ومعدلات البقاء على قيد الحياة. وقد وُجد أن الغالبية من النساء سوداوات لون البشرة يملن إلى تشخيص إصابتهن بسرطان الثدي في وقت لاحق أو عندما يكون المرض متقدماً بالفعل، مقارنة بالنساء البيض على سبيل المثال. وهذا يعني أن من الصعب علاجهن وأيضاً المرض نفسه يصبح صعب العلاج في ذلك الوقت.
* التجارب الطبية السلبية السابقة. إذا صادف أن مرّ شخص أو أحد أقاربه أو أصدقائه بتجارب سيئة مع النظام الطبي – سواء كان ذلك حدثاً صحياً مؤلماً أو عنصرية أو حتى مجرد طبيب لا يستمع إلى مريضه – فقد يتسبب ذلك في التردد في العودة إلى مقدمي الخدمة الطبية.
* المواقف والمعتقدات الثقافية. حتى في الدول المتقدمة. على سبيل المثال، قد يكون بعض الأشخاص قد هاجروا إلى الولايات المتحدة من أماكن تسود فيها ثقافة عدم الذهاب إلى الطبيب إلا عندما يكون الشخص مريضاً. وعندما يقترح الطبيب إجراء اختبار وقائي، قد يقول هذا الشخص «لماذا تريد مني القيام بذلك؟ وأنا أشعر بحال جيدة وأشعر بأنني بخير». وهناك موقف آخر، كأن يشعر البعض بالخوف من معرفة المرض بالفعل، وعادة يطلبون من الطبيب عدم إخبارهم بتشخيص المرض. ومنهم من يتوهم بأن عمل فحص الماموغرام مثلاً، سوف يمكّن الطبيب من التوصل إلى وجود شيء ما يستدعي إجراء المزيد من الاختبارات وما يتبعها من وسائل علاجية مختلفة؛ فيشعرون بالقلق من عدم قدرتهم على تحمل أي اختبارات أو إجراءات إضافية.
* حواجز اللغة. عند مقارنة أولئك الذين يتحدثون الإنجليزية مع أولئك الذين لديهم إتقان محدود للغة الإنجليزية – مما يعني أنهم لا يتحدثون الإنجليزية جيداً وقد يحتاجون إلى مترجم – فإن أولئك الذين لا يتقنون تكون لديهم معدلات فحص أقل بشكل ملحوظ. يشير هذا إلى أن اللغة والفهم ومحو الأمية الصحية هي عوامل في تباينات الفرز (screening disparities).
* نقص التأمين الصحي. يميل الأشخاص الذين ليس لديهم تأمين إلى عدم الخضوع لعمل الفحوص الطبية في كثير من الأحيان. على سبيل المثال، كانت نسبة فحص سرطان القولون والمستقيم بين الأشخاص غير المؤمن عليهم الذين تتراوح أعمارهم بين 50 عاماً وأكثر لم تتجاوز نسبة 30 في المائة عام 2018، مقارنة بنحو (60 – 70 في المائة) ثلثي الأشخاص الذين لديهم تأمين خاص والذين خضعوا لفحص سرطان القولون والمستقيم عند حلول موعده.
* وجود جدول عمل غير مرن، كأن يكون الشخص يعمل في وظائف متعددة تحول دون ذهابه للمركز الطبي، أو يكون لديه جدول عمل متطلب مهنياً أو لديه عائلة لرعايتها، فيكون هنا تحديد موعد إضافي أمراً صعباً. وقد يكون الشخص يعمل في وظيفة يصعب فيها أخذ إجازة، أو عندما يكون أخذ الإجازة أمراً يُحسب ضد الشخص نفسه.
– الحلول
تقول الدكتورة جين نجيرو، وهي من العلماء في البحث التشاركي المجتمعي لمعالجة القضايا الصحية والبحث عن إيجاد طرق لتقليل فجوات التفاوت الصحي خاصة تلك التي تؤثر على المرضى ذوي الاحتياجات الاجتماعية غير الملباة والمرضى ذوي الكفاءة المحدودة، والمهاجرين، إن هناك العديد من الطرق لمعالجة التفاوتات المحتملة في فحوص الكشف عن السرطان، وعلينا، في نظام الرعاية الصحية، أن نبدأ في التفكير خارج الإطار المألوف حالياً: مثلاً نوفر عيادات فحص في صباح يوم السبت لأولئك الذين لديهم جدول عمل غير مرن. ومن المهم تقديم تعليم صحي ملائم ثقافياً ولغوياً للسكان، فذلك يساعد دائماً عندما يسمع الناس من شخص مثلهم وبلغتهم. وقد أظهرت بعض الدراسات، على سبيل المثال، أن استخدام دعاة من نفس المجتمع لتثقيف السكان يمكن أن يساعد كثيراً.
– شراكة مجتمعية
وتضيف، أننا في حاجة إلى الشراكة مع أفراد المجتمع. ففي كثير من الأحيان، نعتقد كمحترفين طبيين أن لدينا إجابات لكل الأسئلة، ولكن في بعض الأحيان نحتاج إلى الذهاب إلى المجتمع وقادة المجتمع ونحدد لهم «المشكلة، ونطلب منهم المساعدة، وأن يقترحوا علينا وإخبارنا بما نحتاج إلى القيام به».
ونتوجه إليهم، هم أيضاً، بما يمكنهم القيام به، مثل:
– يجب على كل فرد أن يتأكد من تحديث وضعه الصحي، خصوصاً الفحوص المبكرة للكشف عن السرطان وعدم تأجيلها.
– دور قادة المجتمع، فبعض الناس يثقون حقا بأصدقائهم ومعارفهم أكثر مما يثقون بأطبائهم. قد تقول إحداهن «لقد قمت بعمل صورة الماموغرام، وكان أمراً مؤلماً، فهم يضغطون على الثديين!». وقد تقول أخرى «لا أريد تصوير الثدي بالأشعة السينية؛ لأنني لا أريد أن أتألم». علينا أن نوضح بنعم، قد يسبب تصوير الثدي بالأشعة السينية ومسحة عنق الرحم بعض الانزعاج، لكنه أمر قصير جداً، وفوائده تفوق هذا الانزعاج الخفيف والوجيز.
– تشجيع الأهل والأصدقاء على الخضوع للفحص، ومن ثم التحدث عن ذلك من خلال الشبكات الاجتماعية، وإخبارهم بأنهم قد قاموا بالفعل بعمل صورة الثدي الشعاعية، ويتساءلون «متى ستقومون بعملها؟». إنهم بذلك يشجعون الأشخاص الذين قد يترددون في عمل الفحص.
– المساهمة في تقديم اقتراحات لتسهيل عملية الفحص لك وللآخرين، فربما تقترح عليهم تمديد ساعات العمل أو تقديم إرشادات بلغات إضافية وغير ذلك، وذلك من خلال تسجيل وملء استمارة استبيان الرعاية الصحية التي تتلقاها بعد الانتهاء من الزيارة وعمل الفحص.
وكحقيقة علمية، فإن فحص السرطان عند النساء يعدّ متقدماً وقوياً وفعالاً. ونذكر هنا العديد من المرضى من النساء في الثلاثينات إلى السبعينات من العمر اللآئي خضعن لاختبار فحص السرطان البسيط بمجرد حلول وقت عمله، وقد أظهرت تلك الاختبارات العثور على شيء غير منتظم عند البعض منهن، فتم الاهتمام به مبكراً وكانت النتائج عالية. هؤلاء النساء بعد تمكنهن من التشخيص والعلاج، يصبحن لاحقاً، جادات جداً ومهتمات بشأن اختبارات الفحص لهن ولأفراد أسرهن ومعارفهن.
– جينات وميكروبات
تقول الدكتورة إيفانثيا جالانيس (EVANTHIA GALANIS)، دكتوراه في الطب، والعميدة التنفيذية للتطوير والتنمية في مايو كلينك في روتشستر، مينيسوتا، إن هناك حملة سنوية «للمساعدة في علاج السرطان» وتمويل المشاريع البحثية المهمة والتجارب السريرية واستراتيجيات الرعاية المبتكرة لتشخيص السرطان والوقاية منه. ونتيجة لذلك؛ فقد تم تحقيق العديد من الاختراقات المهمة مؤخراً في كل من الأبحاث ورعاية المرضى. وأكدت، أن العلماء والباحثين يكتشفون، يوماً بعد يوم، طرقاً جديدة للتغلب على السرطان وتطبيق ما تعلموه لإنقاذ الأرواح.
وفيما يلي بعض النقاط البارزة في هذا المجال:
– تم إنشاء «خريطة طريق» جينية، وهي خاصة بالمرضى من خلال دمج تقنية إحصائية تُعرف باسم «النمذجة الاحتمالية probabilistic modeling»، مع استكشاف البيانات من مجموعة من مريضات سرطان الثدي. ستسمح هذه المعلومات الخاصة بالمرضى للأطباء بالتوصية بعلاجات السرطان الفردية بشكل أكثر فاعلية. وستعمل الأداة المستخدمة في هذا الجهد أساساً لمنصة ذكاء صناعي محتملة يمكن استخدامها أيضاً لمعالجة مجموعة واسعة من الأمراض.
– جهود لاكتشاف بصمة جينية، على الرغم من أن العلاج المناعي immunotherapy قد أثبت فاعليته في بعض المرضى الذين يعانون من ورم الظهارة المتوسطة (mesothelioma) مثلاً، وهو سرطان شرس يرتبط غالباً باستنشاق ألياف الأسبستوس، فإن العلاج لا يحقق دائماً النتيجة المرجوة، حيث يعاني العديد من المرضى من آثار جانبية كبيرة. يقود الباحثون اكتشاف بصمة جينية genomic signature للتنبؤ بأي من المصابين بورم الظهارة المتوسطة يمكن أن يستفيدوا من العلاج المناعي.
– ميكروب صغير يزدهر في ميكروبيوم الرحم (uterine microbiome)، يمكن لهذا الميكروب أن يكون دافعاً لسرطان بطانة الرحم، وهو أكثر أنواع السرطانات شيوعاً لدى النساء. تقول الدكتورة مارينا فالتر أنطونيو (Marina Walther – Antonio)، دكتوراه في الطب وباحثة في مركز الطب الفردي الذي يركز على دور الميكروبيوم البشري في صحة المرأة، إن هذه الاكتشافات تقربنا من تحديد أهداف علاجية جديدة، وهي تعدّ قفزة كبيرة نحو فهم دور الميكروب في المرض، والتي يمكن أن تسمح لنا باستكشاف مجالات جديدة في الوقاية والعلاج. وتؤكد أن سعي العلماء والباحثين لا هوادة فيه وراء الاكتشافات التي تؤدي إلى نتائج أفضل للمرضى والالتزام بتغيير طريقة علاج السرطان ودحره.
* استشاري طب المجتمع