كان الصوت واضحاً وحاداً. ولياقة ميسر الإحاطة الصحافية الهاتفية كانت غاية في التهذيب. رحب من مقر المركز الإعلامي للخارجية الأميركية في دبي بالحاضرين هاتفياً من مختلف عواصم العالم ومدنه. ثم بدأ المبعوث الأميركي الخاص لليمن تيم ليندركينغ، يتحدث ويجيب الصحافيين نحو 30 دقيقة، كان لافتاً خلالها قوله إن الحصار على تعز يجب أن يتوقف، وعلى إيران دعم أقوالها بالأفعال.
يتهم المبعوث، طهران، بلعب دور سلبي في اليمن، ويقول «نحن قلقون من استمرار عمليات التهريب (…) لكنني سعيد أيضاً بترحيب إيران بالهدنة الأخيرة (…) ما نحتاج إلى رؤيته هو أفعال إيرانية تعكس هذه الكلمات أو تدعمها».
قبل يومين من المؤتمر الصحافي الهاتفي، الذي عقد يوم الرابع من أغسطس (آب) 2022، شهدت الأزمة اليمنية خبراً سعيداً وآخر عكس ذلك. الخبر السعيد تمديد الهدنة للمرة الثانية. الخبر الآخر هو عدم نجاح الأمم المتحدة في إقناع طرفي النزاع اليمني (الحكومة والحوثيين) بالاتفاقية الموسعة التي تمتد ستة أشهر، وتتضمن تفاصيل تصل إلى نقاط أكثر دقة من البنود الأربعة العريضة التي جرى تمديدها.
اليمن واليمنيون مثلهم مثل بقية العالم، يقرأون أخبار «سلاسل الإمداد» التي أعقبت أزمتي «كورونا» وأوكرانيا، ويقلقون من تأثيرها الذي وصل إلى موائدهم، لكنهم أيضاً مشغولون بسلاسل أخرى تتمثل في «تمديدات» الهدنة الأممية.
منذ الثاني من أبريل (نيسان) انطلقت الهدنة الأممية بتوافق الحكومة اليمنية والحوثيين. ودعمها التحالف بقيادة السعودية والمجتمع الدولي. وجرى تمديدها مرة أولى لمدة شهرين حتى الثاني من أغسطس 2022، ثم جاء التمديد الثاني.
توسيع وشمولية
عدد المبعوث الأميركي فوائد الهدنة، وجزم بأنها أطول فترة هدوء منذ بدء الحرب (التي بدأت بانقلاب الحوثيين عام 2014) وتقدم لليمنيين راحة حقيقية.
ترتفع نبرته قليلاً عندما تحدث عن الاتفاقية الموسعة التي صاغتها الأمم المتحدة وشاركتها مع الأطراف اليمنية. وشدد على أن ما سيحدث خلال الشهرين المقبلين (قبل انتهاء التمديد الثاني) مفاوضات مكثفة لوضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق (الجديد) لصالح جميع اليمنيين. «ولذلك سنحتاج إلى حل وسط من جميع الأطراف لإحراز تقدم، ويتضمن تحركاً أولياً للحوثيين لفتح الطرق الرئيسية المؤدية إلى تعز، ثالث أكبر مدينة في اليمن، ويعيش السكان هناك في ظروف شبيهة بالحصار منذ عام 2015، لذا يجب أن ينتهي هذا الحصار في تعز أيضاً».
وتحض واشنطن طرفي الأزمة اليمنية على اختيار السلام، ووفقاً للمبعوث ليندركينغ، فإن الولايات المتحدة تتطلع إلى «طريق ممهدة من خلال توسيع الهدنة إلى وقف شامل لإطلاق النار وعملية سياسية»، ويعيد التكرار بأن «الاتفاقية الموسعة ستتيح إجراء مناقشات حول وقف شامل لإطلاق النار على الصعيد الوطني يمكن أن يحقق السلام والهدوء الحقيقيين في اليمن، كما أنه يمهد الطريق لاستئناف العملية السياسية اليمنية – اليمنية.
يضيف المبعوث بأن خسائر الأرواح في صفوف المدنيين تراجعت بنحو 60 في المائة، وهو ما يذكّر مراقبي المشهد اليمني بحديث المبعوث الأممي لليمن هانس غروندبرغ، في ذات إحاطة أممية، إذ قال إن غالبية ضحايا اليمن خلال فترة الهدنة من الألغام، وتتهم الحكومة اليمنية الحوثيين بزرع مليون لغم من دون خرائط.
يقول مصطفى نعمان الدبلوماسي اليمني المخضرم ووكيل وزارة الخارجية الأسبق، إن «نجاح المساعي الإقليمية التي تقودها السعودية وعُمان، والأخرى الدولية عبر الأمم المتحدة والمبعوث الأميركي، مرهون بتنفيذ بنود الاتفاق التي يتضح حتى الآن المماطلة في الالتزام بها. وأخص بالأمر الطرق المحيطة بتعز، وكذلك بقية الطرقات. الحكومة اليمنية نفذت ما عليها من التزامات بموجب شروط الهدنة، والأمل أن يفعل الحوثيون الشيء نفسه».
يعود ليندركينغ ليقول إن 8 آلاف سافروا من صنعاء وإليها جواً لأول مرة منذ عام 2016، وفي الحديدة يسجل الوقود شهرياً خمسة أضعاف ما كان يدخل عام 2021.
«معابر سياسية»
يؤمن المبعوث الأميركي بأن مسألة فتح الطرق في تعز تبقى أولوية ملحة، ويقول: «سواء كمسألة إنسانية، أو من ناحية أنها أحد عناصر الهدنة (ذات البنود الأربعة)، ولكن لم يتم استيفاء الشروط إلى الحد الذي نحتاج جميعاً إلى رؤيتها، لذا يجب بالتأكيد إحراز تقدم في تعز، ونثمن اللقاءات التي جرت بين الأطراف والاجتماعات الصعبة لمناقشة قضايا مثل طريق تعز إلى جانب لقاءات اللجنة العسكرية. كل هذا من أجل الخير، لكننا بحاجة إلى رؤية هذه الطرق مفتوحة. نحن على اتصال منتظم مع المنظمات غير الحكومية والأفراد الآخرين على الأرض، أولئك الذين يدركون تماماً الامتيازات الإنسانية والموجودة لدى السكان المحاصرين. بيان مجلس الأمن الدولي الذي صدر يرحب بالهدنة يسلط الضوء أيضاً على أهمية تعز».
وزاد المبعوث: ويجب أن تكون هناك آلية مصممة تجلب – تجد الحيز المشترك بين كل من الحكومة والحوثيين رغبة في رؤية ذلك يتحقق. أنا واثق من أن هناك طريقة للقيام بذلك. هذه أولوية للشهرين المقبلين وستكون الولايات المتحدة منخرطة بشكل كامل في هذه القضية.
وبسؤاله عن أبرز ما يجدر ترقبه بعد التمديد الثاني للهدنة، يجيب ماجد المذحجي، وهو المدير التنفيذي لمركز صنعاء للدراسات، «إنه ليس كثيراً، لقد جرى تمديدها بالبنود السابقة… هذا يعني أن هناك حاجز صد كبيراً لم يجر اجتيازه». ويقول إن كل الجهود الآن تصب لخلق توافق حول المسودة التي قدمها مكتب المبعوث (الأممي). وواضح أن الحوثيين رفضوا النصوص الأساسية فيها، وأعادوا الأمور إلى نقطة الصفر».
ويعتقد المذحجي، أن التحدي يكمن في «كيفية خلق توافق خلال شهرين على قضايا ينتظر أن تتم الموافقة عليها سياسياً بشكل أكبر من الحوثيين. أما الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، فإنها قدمت الحد الأعلى من التنازلات»، مضيفاً: «الالتزامات الخاصة بفتح الطرق لتعز هي التزام أيضاً بفتح الطريق للسياسة، ولذا فهي أمر مركزي إذا أردنا الانتقال إلى المحطة التالية».