وسعت الميليشيات الحوثية في اليمن أخيرا من إجراءاتها لتحويل التعليم إلى سلعة في سياق السعي لجباية المزيد من الأموال، وهو الأمر الذي حرم آلاف الشبان اليمنيين من الالتحاق بمقاعد الدراسة الجامعية في ظل إغلاق عشرات الأقسام وفرض رسوم باهظة في الكليات والأقسام التطبيقية. في هذا السياق أقدمت الميليشيات الحوثية عبر القيادات الموالية لها في محافظة ذمار (100 كلم جنوب صنعاء) على رفع رسوم الدراسة بكلية الطب البشري في جامعة المحافظة إلى 27 ألف دولار أميركي، عن سنوات الدراسة الست، شريطة أن يدفع الطالب الرسوم دفعة واحدة (الدولار يساوي 600 ريال يمني).
وبحسب مصادر مطلعة فإن هذا الإجراء كان قد سبقه بأيام قيام القيادي الحوثي المدعو محمد البخيتي المعين من قبل الميليشيات محافظاً باقتحام مباني كليتي التربية والآداب في جامعة ذمار وإغلاقهما واعتقال أفراد حراستها، بحجة أنها تابعة لوزارة التربية وليس للجامعة.
وأكد مصدر أكاديمي في الجامعة أن عملية الدهم والإغلاق جاءت على خلفية سعي المحافظ الحوثي منذ مدة إلى تغيير رئيس الجامعة المنتمي لجناح آخر في الميليشيات.
ونظرا لعجز المحافظ الحوثي عن تغيير رئيس الجامعة كونه ليس من صلاحياته فقد عمد إلى اقتحام مباني الكليتين وإغلاقهما، بزعم أن المباني تتبع وزارة التربية الخاضعة. وفق ما أفاد به المصدر لـ«الشرق الأوسط».
وبالعودة إلى رفع الانقلابيين رسوم دراسة الطب في الجامعة، اتهمت المصادر الجماعة بمواصلة تضييقها الخناق على الشبان اليمنيين وعدم تمكينهم من حق التعليم الجامعي.
وشكا أكاديميون وموظفون وطلاب في جامعة ذمار لـ«الشرق الأوسط» بأن جامعتهم الخاضعة للانقلاب لا تزال حتى اللحظة تعاني من ابتزاز وفساد ونهب منظم جراء استمرار صراع أجنحة الميليشيات في المحافظة وتحكم بعض القيادات البارزة في عملية التسجيل وإقرار المناهج الدراسية والإشراف المباشر على كافة الأنشطة والفعاليات التي تقيمها الجامعة.
وبما أن رسوم التعليم في الجامعات والمعاهد الحكومية شبه مجانية وفقا للقوانين اليمنية، فقد أعلن شبان كانوا يريدون هذا العام التسجيل في جامعة ذمار لدراسة الطب عن اعتزامهم رفع دعاوى قضائية ضد قيادة الجامعة المعينة من قبل سلطات الميليشيات.
وكانت كلية الطب في جامعة ذمار نشرت مؤخرا عبر حسابها في «فيسبوك»، وثيقة تضمنت الشروط والأحكام التي يطالب بها المتقدمون للدراسة في كلية الطب بنظام النفقة الخاصة.
وحددت إدارة الجامعة النسبة المطلوبة لالتحاق الطلبة بنظام «النفقة الخاصة» بـ80 في المائة (ما يعني أن النظامين الموازي والعام أعلى من تلك النسبة)، شريطة أن يجتازوا امتحان المفاضلة.
وبحسب الوثيقة، فإن المبلغ المطلوب للمقعد الواحد، 4500 دولار أميركي سنويا، شريطة أن يدفع الطالب كامل المبلغ عن سنوات الدراسة الست، بالريال اليمني وبسعر صرف الدولار وهو نفس سعر الصرف بالبنك المركزي اليمني، أي ما يقارب أكثر من 16 مليون ريال يمني.
واشترطت الميليشيات أن يدفع الطالب كامل المبلغ عند التسجيل ولا تعاد الرسوم مطلقا عند الانسحاب أو الرسوب أو التعثر أو الفصل أو النقل من الكلية أو الوفاة، أو لأي سبب كان حتى وإن تم قبول الطالب في نفس الكلية بأي نظام دراسي آخر.
وبينما أثار ذلك التوجه موجة استنكار وسخرية في أوساط الطلبة والأكاديميين ومعهم رواد مواقع التواصل الاجتماعي، ذكر طلاب وأكاديميون لـ«الشرق الأوسط»، أن تلك الإجراءات تضاف إلى سجل الميليشيات الحافل بممارسات الفساد والابتزاز والقمع والانتهاك بحقهم وجامعتهم.
وأفادوا بأن ذلك يعد وسيلة جديدة هدفها احتكار الجماعة لمقاعد الدراسة في كلية الطب لصالح أبناء قادتها والمنتمين إلى السلالة الحوثية، وزيادة حجم الإيرادات المالية التي تسخرها لصالح مجهودها الحربي من جهة أخرى.
في سياق ذلك، قدم ناشطون محليون على مواقع التواصل مقارنات بسيطة بين رسوم دراسة الطب في بعض الجامعات الأوروبية وبين الرسوم المفروضة حاليا على الطلبة في جامعة ذمار الحوثية.
وأوضحوا «أنه في وقت تطلب فيه الجماعة من الطلبة دفع 27 ألف دولار كرسوم دراسة الطب في جامعة ذمار دفعة واحدة وليس على أقساط، تقدر رسوم دراسة الطب حاليا في ألمانيا للسنة الواحدة بـ500 يورو، أي 3500 يورو لكل السنوات، ودراسة الطب في الجامعات التركية باللغة الإنجليزية بـ50 ألف ليرة تركية، ما يعني أن تكاليف إجمالي كل السنوات 11 ألف دولار، أي أن دراسة الطب بجامعة ذمار ستكون الأغلى من كل جامعات أوروبا» وفق قولهم.
وسبق أن فرضت الجماعة الحوثية طيلة الفترات الماضية المزيد من الإجراءات والقيود المشددة بحق طلبة الجامعات اليمنية الأهلية والحكومية في عموم مناطق سيطرتها.
وعلى مدى السنوات الماضية من عمر الانقلاب، واجهت العملية التعليمية صعوبات واختلالات وعانت في ذات الوقت من تدهور كبير جراء مواصلة وجرائم وتعسفات وانتهاكات الميليشيات بحق هذا القطاع ومنتسبيه.
ومنذ اجتياح الجماعة صنعاء ومدناً يمنية أخرى، سعت بكل طاقتها لارتكاب أبشع الجرائم والممارسات بحق المؤسسات التعليمية العليا بمناطق سيطرتها، وعملت أكثر من مرة على انتهاك حرم جامعة صنعاء وجامعات خاصة وحكومية أخرى؛ بغية حرفها عن مسارها الأكاديمي، وتحويلها إلى ثكنات لمسلحيها من جهة، وكي تكون مسرحاً مفتوحاً لممارسة الطائفية والعبث والنهب والسرقة من جهة أخرى.