بين أعمدة الدخان المتصاعدة والمركبات المتفحمة بمنطقة باب بن غشير وسط طرابلس، وجدت عائلات ليبية محدودة مهرباً من الجحيم الذي نصبته ميليشيات مسلحة بالقرب من أبواب منازلهم منذ ليلة أمس. ووسط استغاثات المواطنين العالقين بوسط طرابلس، قال مركز طب الطوارئ والدعم بطرابلس، إن فريق الإخلاء التابع له، نجح في توفير ممرات آمنة لبعض العائلات العالقة في أماكن الاشتباكات، بعد تلقيه نداءات استغاثة عدة. مشيراً إلى أن وحدة الإسعاف التابعة له نصبت تمركزات لسيارات الإسعاف بالقرب من أماكن الاشتباكات لإجلاء العالقين.
وتحدثت «الشرق الأوسط» إلى واحدة من هذه الأسر عن طريق المركز، ونقل عائلها في كلمات مقتضبة حالة الغضب والخوف التي طغت على أسرته، قائلاً: «سئمنا هذه الأوضاع التي نفقد فيها أحبتنا». وبسؤاله عن الجهة التي ستوجهون إليها، قال: «لا ندري، ربما عند أقارب لنا، أو إلى الإقامة في المخيمات ثانية». مضيفاً أن نيران المدافع «التهمت عدداً من الشقق السكنية بالقرب من مسكننا».
ونقل المواطن عبد المنعم سالم، أحد سكان وسط طرابلس، جانباً من الترويع الذي عاشته طرابلس طوال ليلة أمس، وقال لـ«رويترز»: «هذا مروع. لم أستطع النوم أنا وعائلتي بسبب الاشتباكات. كان الصوت مرتفعاً جداً ومخيفاً للغاية… وبقينا مستيقظين في حال اضطررنا إلى المغادرة بسرعة. إنه شعور مروع». وفي الساعات الأولى من الاشتباكات التي استخدمت فيها المدافع الثقيلة، قال الهلال الأحمر الليبي بالعاصمة، إنه تلقى عشرات المكالمات الهاتفية والرسائل من الأسر العالقة بمناطق الاشتباكات، يطالبون فيها بممر آمن للخروج والحفاظ على حياتهم عليه»، وناشد الأطراف المتحاربة جميعهاً بالتهدئة «حتى تتمكن فرقنا من العمل، ومساعدة المدنيين في الخروج من مناطق الاشتباك والحفاظ على سلامتهم».
وشوهدت عشرات الأسر وهي تخرج من منازلها دون أمتعتها، بينما تمكن البعض منهم من جلب حقائب خفيفة بها القليل من الأمتعة، ونقلت قناة «ليبيا الأحرار» عن شاهدة عيان تدعى فوزية محمد من شارع الزاوية، قولها بلهجة يغلب عليها الخوف: «الناس ماتت من الرعب، وخائفون من القادم… بالله عليكم راعوا الناس والأطفال والمرضى؛ يا ناس حرام عليكم…نحن تعبنا».
في غضون ذلك، وجهت هيئة السلامة الوطنية المواطنين باتخاذ إجراءات عدة لضمان سلامتهم، من بينها نزول سكان الطوابق العليا إلى الأدوار السفلى، والابتعاد عن النوافذ والأبواب المطلة على الشوارع، وعدم تصوير ما يجري من النوافذ، أو الصعود إلى أعلى أسطح المباني. ودفعت الأحداث المشحونة بالخوف السفارة التونسية لتحذير جاليتها في طرابلس وتفادي مناطق الاشتباكات وتجنب التنقلات، والاتصال على هاتف القنصلية العامة للتواصل مع بعثة السفارة والإخبار بأي طارئ».
وقالت وزيرة الخارجية بحكومة «الوحدة»، نجلاء المنقوش، الموجودة خارج البلاد في «تغريدة» إن «ترهيب العائلات والمدنيين في منازلهم أمر مرفوض شكلاً ومضموناً». فيما قالت سرايا الطب العسكري التابعة لوزارة الدفاع بحكومة الدبيبة إنها أخلت 23 عائلة من محيط شارعي الشيخة راضية الجمهورية، ومنطقة باب بن غشير، كما نقلت قتيلان لقيا حتفها جراء القصف.
كما نقلت وزارة الصحة بحكومة الدبيبة أنها تلقت نداءات استغاثة عبر الأجهزة التابعة لها من مواطنين عالقين في مناطق الاشتباكات.