عاد مرض شلل الأطفال مجدداً لغزو المناطق اليمنية الخاضعة لسيطرة الميليشيات الحوثية، بسبب فساد قادة الجماعة المسيطرين على القطاع الطبي، وعرقلتهم تنفيذ برامج التحصين، ومنع حملات اللقاحات التي تقودها المنظمات الدولية.
ومع تصاعد حالات الإصابة بمختلف الأمراض والأوبئة، أقرت الميليشيات الحوثية قبل أيام بإصابة نحو 827 طفلاً بمرض شلل الأطفال، وبنسبة 52 في المائة في الفئات العمرية ما دون سن 3 سنوات، خلال الثمانية أشهر الماضية من العام الجاري.
إقرار الميليشيات بهذه الإصابات يأتي بعد أن كانت اليمن قد تخلصت خلال العقود الماضية من كثير من الأوبئة والأمراض الناجمة عن عدم أخذ اللقاحات بما فيها مرض شلل الأطفال، في وقت تحذر فيه الأوساط الطبية من تفشٍّ أوسع للوباء في الفترة المقبلة، في ظل إهمال الحوثيين وفساد قادتهم.
وأرجعت مصادر طبية في صنعاء أسباب عودة تفشي الأمراض الوبائية إلى رفض الانقلابيين المستمر لحملات التطعيم بمختلف أنواعها، ومضايقتها للعاملين في مجال الصحة، والتي حالت دون التمكن من تزويد كل طفل يمني باللقاحات المطلوبة.
وبحسب هذه المصادر، فإن هناك تصاعداً في حالات الإصابة بالشلل الرخو الحاد (شلل الأطفال) في مناطق سيطرة الميليشيات وهو ما يشكل خطراً كبيراً وينذر بحدوث «جائحة».
ويأتي إقرار الميليشيات الحوثية بعودة ظهور فيروس شلل الأطفال في محافظات تحت سيطرتها، متزامناً مع تصاعد تحذيرات أممية بأن اليمن لا تزال على شفا أسوأ مجاعة في العالم.
وكانت الحكومة الشرعية قد حذرت قبل أيام قليلة من استمرار تضييق الجماعة الخناق على برامج تحصين الأطفال، وعرقلتها تنفيذ حملات تلقيح شاملة في العاصمة المختطفة صنعاء وبقية المدن تحت قبضتها.
أما اللجنة العليا للطوارئ في اليمن، فكانت -من جهتها- قد حذرت أكثر من مرة من معاودة تفشي هذا المرض وتوسعه إلى محافظات جديدة.
وحمَّلت اللجنة في بيان سابق الميليشيات الحوثية مسؤولية عودة تفشي المرض، جراء منعها المتكرر فرق التحصين من ممارسة مهامها، ودعت الأمم المتحدة ومنظماتها المعنية إلى الإسراع بالضغط على الميليشيات للسماح لفرق التحصين والتطعيم للقيام بمهامها.
وأكدت تقارير محلية وأخرى دولية في وقت سابق، أن أمراضاً وأوبئة كثيرة من بينها «كوفيد-19» والكوليرا والملاريا والدفتيريا، وغيرها، لا تزال تتفشى بشكل كبير في مناطق يمنية عدة، وسط استمرار إهمال وتقاعس الجماعة الحوثية، وكذا النقص الحاد في المساعدات الطبية والأدوية، وإغلاق أغلب المرافق الصحية نتيجة الحرب التي خلَّفها الانقلاب على الشرعية.
ودعت الأمم المتحدة في بيانات سابقة لها لإتاحة وصول اللقاحات إلى الأطفال في اليمن دون عوائق، وبشكل مستدام، وكذا تسهيل مهام العاملين في مجال الصحة، ليتمكنوا من تزويد كل طفل باللقاحات.
ويؤكد أطباء مختصون في صنعاء أن شلل الأطفال الذي يصيب بشكل رئيسي الأطفال دون سن الخامسة، ليس له علاج، ويمكن الوقاية منه من خلال لقاح فموي؛ بينما تشير منظمة الصحة العالمية إلى أن «شلل الأطفال مرض فيروسي شديد العدوى يغزو الجهاز العصبي، وهو كفيل بإحداث الشلل التام في غضون ساعات».
وينتقل الفيروس من شخص لآخر بصورة رئيسية عن طريق البراز، وبصورة أقل عن طريق وسيلة مشتركة (مثل المياه الملوثة أو الطعام)، ويتكاثر في الأمعاء، وتؤدي حالة واحدة من أصل 200 حالة عدوى بالمرض إلى شلل عضال (يصيب الساقين عادة).
وعلى مدى الأعوام الماضية من عمر الانقلاب، تحول اليمن إلى بيئة خصبة للأمراض والأوبئة بمختلف أنواعها؛ خصوصاً في تلك المناطق الخاضعة للميليشيات، والتي حصدت خلال السنوات الست المنصرمة أرواح الآلاف من الأبرياء جلّهم من الأطفال والنساء؛ وفق ما أفادت به تقارير دولية ومحلية.
وتتهم تقارير حكومية يمنية الميليشيات بانتهاجها طيلة السنوات الماضية سياسة تدميرية ممنهجة تجاه القطاع الصحي، مع مواصلتها إيقاف رواتب ونفقات تشغيل المنشآت الصحية، وحرمانها لملايين اليمنيين من تلقي الخدمات الطبية للحماية من الأمراض والأوبئة التي لا تزال تفتك بكثير منهم.
بالإضافة إلى ذلك، أقرت الميليشيات برصد حالات من متحورات فيروس «كورونا» في مناطق سيطرتها، على الرغم من أنها كانت قد رفضت المحاولات الأممية والحكومة لإعطاء اللقاحات في مناطق سيطرتها.
ووفقاً لاعترافات الجماعة الأخيرة، فإن حالات الفيروس المتحور من النوع الثاني (cVDPV2) الواصلة خلال شهر أغسطس (آب) الفائت؛ بلغت 183 حالة، منها 56 مخالطاً، و115 حالات إصابة من عام 2022، في حين أن الحالات المسجلة في يوليو (تموز) الماضي بلغت 105 حالات، مقارنة بـ62 حالة في الفترة نفسها من العام الماضي 2021.
وأوضحت بيانات القطاع الصحي الخاضع للحوثيين، أن تلك الحالات تم تسجيلها في محافظات: ذمار، والحديدة، وصعدة، والبيضاء، وصنعاء.