احتفلت دول العالم، خلال الأسبوع الماضي، باليوم العالمي لإصابات الحبل الشوكي (Spinal Cord Injury Day، SCID) بهدف زيادة الوعي بإصابات الحبل الشوكي وعواقبها.
يطمح يوم إصابات الحبل الشوكي إلى إيصال رسالة لأفراد المجتمع في العالم بأن إصابة الحبل الشوكي تعني أكثر بكثير من عدم القدرة على المشي، فمرضى هذه الإصابات يتعاملون مع مشكلات نفسية واجتماعية وأخرى تتعلق بعملهم. وعليه، فإن الهدف من يوم إصابات الحبل الشوكي هو خلق الوعي بالاندماج، وتكافؤ الفرص وإمكانية الوصول، وبالتالي تقديم الأمل لأفراد إصابات النخاع الشوكي وأفراد أسرهم وأصدقائهم.
– إصابات الحبل الشوكي
تُعرف إصابات الحبل الشوكي بأنها عبارة عن ضرر يصيب الحبل الشوكي نتيجة إصابة أو رضة مباشرة في الحبل الشوكي تحديداً، أو ضرر غير مباشر يصيب العظام والأنسجة الرخوة والأوعية الدموية المحيطة بالحبل الشوكي. والحبل الشوكي هو الحزمة الرئيسية من الأعصاب التي تنقل النبضات العصبية من الدماغ إلى سائر مناطق الجسم وبالعكس. وتحيط بالحبل الشوكي حلقات عظمية تسمى الفقرات وتشكل العمود الفقري.
تنجم إصابات الحبل الشوكي عن أسباب متنوعة وكثيرة، منها التعرض لحوادث المرور والسقوط، الأمراض مثل شلل الأطفال، أو انشقاق العمود الفقري، وهو عبارة عن اضطراب ناتج عن النمو غير المكتمل للدماغ والحبل الشوكي أو الأغشية الواقية المحيطة بهما، بالإضافة إلى التعرض لحوادث الإصابات الرياضية والاعتداءات والحوادث الصناعية وعدة أسباب أخرى. وعندما ينجم ضعف العمود الفقري عن حالة أخرى مثل التهاب المفاصل، فإن الإصابات الطفيفة قد تسبب رضاً في الحبل الشوكي.
ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن:
– هناك ما لا يقل عن 250000 إصابة جديدة في النخاع الشوكي تؤدي إلى الإصابة بالشلل كل عام.
* ترتفع نسبة الزيادة في مخاطر الوفاة من 2 إلى 5 مرات بعد إصابة الحبل الشوكي.
– 85 في المائة من الأشخاص الذين أصيبوا في النخاع الشوكي، والذين نجوا خلال الـ24 ساعة الأولى ما زالوا على قيد الحياة بعد 10 سنوات.
– 50 في المائة من بين جميع إصابات الحبل الشوكي ناتجة عن حوادث المرور.
– 24 في المائة من إصابات النخاع الشوكي، ذات العواقب الوخيمة، ناتجة عن السقوط.
– رابع سبب متكرر لإصابة الحبل الشوكي، التي تؤدي إلى الشلل، هو حادث الغوص.
– شارك 161892 شخصاً من 192 دولة في العالم في سباق الجري خلال اليوم العالمي لإصابات الحبل الشوكي لهذا العام 2022، كان منهم 920 شخصاً على كرسي متحرك.
– آثار الإصابة
ماذا يحدث عند إصابة الحبل الشوكي؟ يوجد نوعان لإصابات الحبل الشوكي، وهما إصابات كاملة وإصابات جزئية. في حالة الإصابة الكاملة، تتوقف الوظائف تحت مستوى الإصابة، كما تنعدم القدرة على الإحساس أو الحركة الإرادية. أما في حال الإصابة الجزئية، فتستمر بعض الوظائف تحت مستوى الإصابة، وفقاً لمؤسسة «كليفلاند كلينيك» الطبية.
أما عن الآثار المترتبة على إصابة الحبل الشوكي، فتتفاوت هذه الآثار بناءً على موضع الإصابة، فتؤدي الإصابات الحاصلة قرب قمة العمود الفقري إلى إعاقة أشد من الإصابات في أسفل العمود الفقري، ومن هذه الإعاقات الشديدة الخَدَر والشلل وصعوبة التنفس. ومن بين النتائج الشائعة الإصابة بالتشنج العضلي وفقدان الإحساس في أجزاء الجسم والخَدَر والشلل. وتجدر الإشارة إلى أن شلل العضلات التنفسية قد يؤدي إلى الوفاة. وعادة ما يؤدي الضرر الذي يلحق بالحبل الشوكي إلى فقدان المريض لبعض الوظائف مثل القدرة على الحركة أو الإحساس. والأمر اللافت للانتباه أن إصابة الحبل الشوكي تختلف عن إصابة الظهر التي قد تنجم عن أسباب كانضغاط الأعصاب أو تمزق الأقراص المفصلية. وحتى عندما يعاني الشخص من كسر في واحدة أو أكثر من فقرات العمود الفقري قد لا تحدث إصابة في الحبل الشوكي إلا إذا تأثر الحبل الشوكي تحديداً.
وإذا عدنا إلى أسباب اضطرابات الحبل الشوكي، التي تتضمن كُلاً من الإصابات، والعدوى، وانقطاع التروية الدموية، والضغط من قبل عظم مكسور أو ورم، فلنا أن نتخيل أن اضطرابات الحبل الشوكي يمكن أن تُسبب مشكلات صحية عديدة وشديدة ودائمة، مثل الشلل، ضعف السيطرة على المثانة والأمعاء، سلس البول وسلس البراز. وبشكل عام، عادة، ما تكون العضلات ضعيفة أو مشلولة، والإحساس غير طبيعي أو مفقود، والسيطرة على وظيفتي المثانة والأمعاء قد تكون صعبة. في بعض الأحيان، ولحسن الحظ، قد يبقى الحبل الشوكي سليماً، كما يمكن تجنب الكثير من هذه المشكلات أو التقليل منها إلى الحد الأدنى إذا جرى تقييم الحالة ومعالجتها بسرعة.
– التشخيص والعلاج
كيف يتم تحديد مدى شدة إصابة الحبل الشوكي؟ يستند الأطباء في التشخيص على عدد من المؤشرات:
– أعرَاض الحالة ونتائج الفَحص السريري
– الفحوصات العصبية
– اختبارات التصوير، مثل تصوير العمود الفقري بالأشعة السينية (للتحقق من وجود مشكلات في العمود الفقري، مثل الكسور أو الأورام)، التصوير بالأشعة المقطعية وتصوير النخاع (ويتم بعد حقن مادة ظليلة يُمكن رؤيتها في صورة الأشعة في الحيز المحيط بالحبل الشوكي)، أو التصوير بالرنين المغناطيسي (الذي يُعد الاختبار الأكثر دقة لتشخيص اضطرابات الحبل الشوكي، حيث يُظهر الحبل الشوكي وأي شذوذات في الأنسجة الرخوة المحيطة به مثل الخراجات، الأورام الدموية، الأورام، الأقراص الممزقة. وكذلك أورام العظام والكسور وداء الفقار الرقبية).
ما هي سبل معالجة إصابات الحبل الشوكي؟ تتطلب إصابات الحبل الشوكي معالجة فورية للوقاية من الآثار طويلة الأمد، ويتم إجراء معالجة الحالة المسببة لاضطراب الحبل الشوكي فوراً، إن أمكن.
– توصف أدوية الستيروئيدات القشرية مثل ديكساميثازون أو ميثيل البريدنيزولون لتقليل التورم.
– قد يوصي الأطباء في بعض الحالات بالتدخل الجراحي، وربما يستلزم شفاء العمود الفقري الراحة في الفراش.
– بعد تعرض الحبل الشوكي لإصابات حادة، يصبح من الضروري أحياناً اللجوء إلى العلاج الطبيعي الفيزيائي وعلاج تحسين الفاعلية الوظيفية في الجسم وإجراءات إعادة التأهيل، لاستعادة أكبر قدر ممكن من الوظائف المفقودة.
– يحتاج المرضى المشلولون أو طريحو الفراش بسبب اضطراب الحبل الشوكي إلى رعاية تمريضية تخصصية لمنع حدوث المُضَاعَفات، وأهمها تقرحات الفراش، المشاكل البولية، الالتهاب الرئوي، وجلطات الدم.
– الأطراف المساعدة الهجينة
الأطراف المساعدة الهجينة (HAL) تقنية حديثة تُعيد الأمل بالحركة مجدداً للمصابين في الحبل الشوكي. وقد نظم مستشفى عبد اللطيف جميل في جدة فعالية طبية احتفاءً باليوم العالمي لإصابات الحبل الشوكي. وسلطت الفعالية الضوء على تقنية الأطراف المساعدة الهجينة (Hybrid Assistive Limb HAL) من «سايبرداين» (Cyberdyne) (المشروع الجامعي الذي يطور تقنية سايبرنيكس Cybernics التي تدمج الإنسان والروبوت والذكاء الصناعي AI وأنظمة المعلومات) وهي التقنية الأولى من نوعها في العالم في مجال روبوتات الهياكل الخارجية، وتعمل على إعادة بناء الوظائف العصبية العضلية الدماغية لدى المرضى وتحسين الوظائف الجسدية لمن يرتديها ودعمها وتعزيزها وتجديدها وفقاً لنيات مرتديها. ويأتي إطلاق هذه التقنية في إطار جهود مستشفى عبد اللطيف جميل للرعاية الصحية بتعزيز أفضل الممارسات العالمية في قطاع الرعاية الصحية.
في هذا الصدد، قال م. فيصل السمنودي، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لعبد اللطيف جميل للأعمال، «يعكس الاهتمام بهذه الفعاليات التزامنا بالتوعية حول المشكلات الصحية الصعبة كإصابات العمود الفقري، باذلين جهوداً دؤوباً لتوفير أحدث الحلول الطبية المبتكرة للمرضى في المملكة. ويشكل إطلاق تقنية إعادة تأهيل إصابات العمود الفقري ثمرة لهذه الجهود».
استضافت الفعالية مجموعة من المصابين بمشكلات في الحبل الشوكي الذين تحدثوا عن تجاربهم والتحديات التي يواجهونها يومياً، بالإضافة إلى مجموعة من المؤسسات الاجتماعية التي يمكنها تقديم خدماتها للمستفيدين المحتملين مثل تغطية تكاليف العلاج والعمليات الجراحية، بالإضافة إلى توفير المعدات والأدوات التي تساعد على الحركة.
وكان مستشفى عبد اللطيف جميل للرعاية الصحية أول جهة توفر تقنية الأطراف الهجينة المساعدة من «سايبرداين» بالمملكة، مما جعلها خامس دولة في العالم تعتمد هذه التقنية لمساعدة المصابين بمشكلات في العمود الفقري في خطوة تتماشى مع «رؤية السعودية 2030»، التي تهدف إلى تحسين جودة الرعاية الصحية والخدمات الطبية المتوفرة للمرضى.
ويحول المستشفى الذي نجح في تطبيق هذه التقنية، إلى مركز للتدريب على استخدامها، حيث أجرى دورات تدريبية لأطباء ومعالجين وفنيين من مختلف المرافق الطبية الأخرى في المملكة. إضافة إلى تقديم المشورة للأفراد للاستمتاع بحياة صحية مستقلة ومليئة بالإنجازات من خلال توفير مستوى متقدم من الرعاية الصحية بالاستعانة بفريق متعدد التخصصات يتمتع بخبرة واسعة في إعادة التأهيل.
وتساعد التقنية التي ابتكرتها «سايبرداين» الأشخاص الذين يعانون من إصابات تعيق حركتهم، على المشي والتجول بمساعدتهم على بذل طاقة حركية غير اعتيادية. ويمكن استخدام هذه التقنية بفاعلية أيضاً في إعادة التأهيل بفضل ما تتمتع به من قدرات على تسريع التعلم الحركي للأعصاب الدماغية.
كيف تعمل تقنية الأطراف المساعدة الهجينة (HAL)؟ هناك خمس خطوات تحدث خلال تطبيق تقنية الأطراف المساعدة الهجينة (HAL) وفقاً لموقع «سايبرداين» الياباني (cyberdyne.jp)، وهي:
– التفكير (Think)، عندما نحاول تحريك أجسادنا، نبدأ بالتفكير في الحركة «أريد أن أمشي»، يرسل الدماغ الإشارات الضرورية عبر الأعصاب إلى العضلات اللازمة لتلك الحركة.
– الإرسال (Send)، في حالة الشخص السليم، تتلقى كل عضلة الإشارات المرسلة من الدماغ، مما يسمح للعضلات بتحريك مقدار القوة اللازمة فقط لمطابقة النية.
– القراءة (Read)، عندما تنتقل الإشارات نحو العضلات، فإنها تتسرب على سطح الجلد كإشارات خافتة جداً، تسمى «الإشارات الكهربائية الحيوية [BES]». يمكن لـ«HAL» قراءة إشارات (BES) بأقطابها المطورة في الأصل والمعلقة على سطح جلد مرتديها، استناداً إلى معلومات أخرى مختلفة تم الحصول عليها أيضاً، تحدد «HAL» الحركات المرغوبة لمرتديها.
– التحرك (Move)، يتحكم «HAL» في وحدة الطاقة وفقاً للحركات التي يتعرف عليها لمساعدة مرتديها في التحرك وفقاً لنياته، أو حتى ممارسة قوة أكثر من المعتاد. يحتوي «HAL» على نوعين من أنظمة التحكم التي يمكن استخدامها معاً وفقاً لظروف مرتديها. يستخدم «نظام التحكم الإرادي السيبراني» الإشارات الكهربائية الحيوية (BES) لأداء الحركات المرغوبة لمرتديها. والآخر هو «نظام التحكم الذاتي السيبراني» لتحقيق حركات شبيهة بحركات الإنسان حتى لو تعذر اكتشاف الإشارات الكهربائية الحيوية. هاتان الطريقتان للمراقبة هما السبب في جعل HAL«» تقنية متقدمة.
– التغذية الراجعة (Feedback)، بمجرد اكتمال الحركة، يتحقق الدماغ من كيفية تحرك الجسم وفقاً للإشارات المرسلة. عندما يدرك «HAL» الحركة المقصودة لمن يرتديه، يقوم الجسم بتغذية معلومات الحركة الناجحة. يتيح ذلك للدماغ أن يتعلم تدريجياً كيفية إرسال الإشارات اللازمة للحركات الجيدة. يمكن أن يساعد تكرار هذه العملية الشخص ذي الإعاقة على تحسين وظيفته البدنية بعد خلعه (HAL).
* استشاري طب المجتمع
* رغم عدم وجود علاج شافٍ لإصابات الحبل الشوكي حالياً، يواصل الباحثون سعيهم لتحقيق تقدم في الحد من الضرر الواقع وقت حصول الإصابة.