العاصفة التي أحدثها رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد عندما تطرق إلى «حل الدولتين» في خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة (الخميس)، لم تحقق له الهدف الأساسي الذي وضعه لنفسه. فقد جاء متأخراً، وفي ظرف مليء بالعقد؛ إذ استغله خصومه في المعارضة وفي الائتلاف الحكومي على السواء، لإظهاره رئيس حكومة ضعيفاً. وبدلاً من الإفادة منه في المعركة الانتخابية، يبدو كمن أطلق النار على قدمه.
لقد أراد لبيد من التطرق إلى حل الدولتين إصابة عصافير عدة بحجر واحد. فهو يظهر للمرة الأولى كرئيس حكومة أمام محفل دولي بهذا الوزن. والهدف الأول هو أن يسير على طريق سابقيه من رؤساء الحكومات، بمن فيهم خصمه الرئيسي بنيامين نتنياهو، كمن يتجاوب مع المطلب الدولي لإنهاء الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. ففي هذا يرضي إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ويرضي الاتحاد الأوروبي ويرضي الدول العربية التي تقيم علاقات مع إسرائيل.
ولكنه في الحقيقة موجّه بالأساس إلى الساحة الأقرب المتعلقة بالانتخابات الإسرائيلية: من جهة، يوجهها إلى الشارع الفلسطيني في القدس ورام الله والضفة الغربية، على أمل أن يتمكن من تهدئة الأوضاع الأمنية، التي تلحق يه ضرراً مباشراً في الانتخابات. ومن جهة ثانية، يوجه رسالة أمل للمواطنين العرب في إسرائيل، الذين يشعرون بالإحباط من قياداتهم السياسية ومن المعسكرين المتنافسين في إسرائيل ويتجهون لمقاطعة الانتخابات بشكل واسع (آخر الاستطلاعات دل على أن 60 في المائة منهم لا ينوون التصويت). ومن جهة ثالثة، يسير لبيد وراء وزير الدفاع في حكومته، بيني غانتس، الذي يرفع هو أيضاً شعار حل الدولتين (أو الكيانين بشكل أدق) بصوت عال. وهو يريد بذلك أن يقنع معسكره بأنه يقود اتجاهاً معاكساً لاتجاه نتنياهو.
المشكلة أن لبيد تأخر كثيراً في هذا النهج. فهو معروف بدوره الحاسم في تشكيل الحكومة الحالية، التي أقيمت وفق خطوط عريضة تتجاهل الموضوع الفلسطيني. إنها حكومة تضم ثمانية أحزاب من اليمين المتطرف وحتى اليسار المتطرف والحركة الإسلامية. وبسبب قطبية مواقفها وتناقضها ووقوف اثنين منها على الأقل ضد إقامة دولة فلسطينية تقرر تسجيل بند في برنامج الحكومة، ولأول مرة في تاريخ إسرائيل، الامتناع عن أي نشاط للتسوية السياسية للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. وكما كان متوقعاً، الحكومة تركت الصراع، لكنها لم يتركها. بل أمسك بخناقها وانفجر في وجهها بأعمال احتجاج ومظاهرات وعمليات فلسطينية مسلحة في كل المناطق، بما في ذلك داخل إسرائيل. ويخشى لبيد اليوم من أن يتمكن فلسطيني ما من تنفيذ عملية تفجير ما في قلب مدينة إسرائيلية فيصيبه ما أصاب شمعون بيرس بعد اغتيال إسحق رابين وينسف كل آماله في كسب المعركة الانتخابية.
لكن ما لم يتوقعه لبيد هو أن يخرج بنيامين نتنياهو بهجمة ضده على خطابه في الأمم المتحدة بسبب طرح فكرة الدولتين. فالمعروف أن جميع رؤساء الحكومات الذين سبقوه، بمن في ذلك نتنياهو نفسه، ظهروا في الأمم المتحدة وتحدثوا عن حل الدولتين. وفي سنة 2016، لم يكتف نتنياهو بإعلان تأييده حل الدولتين بل تحدى الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) بأن يلتقيه فوراً للتفاوض حول هذا الحل. ومع ذلك، سمح لنفسه أن يخرج بحملة ضد لبيد يتهمه فيها بإعادة «موضوع منسي إلى النقاش هو إقامة دولة إرهاب ضد إسرائيل».
بيد أن الأمر لا يقتصر على معسكر اليمين المتطرف. فوقوف هذا المعسكر ضد لبيد أمر مفهوم. المشكلة أن حلفاء لبيد وعدداً من وزرائه خرجوا يهاجمونه على هذا التصريح. فاعتبره أفيغدور ليبرمان، وزير المالية، «حديثاً وهمياً لا مكان له» وقالت وزيرة الداخلية اييلت شاكيد «اتصلت مع لبيد وقلت له، إنه يمثل نفسه فقط بهذا التصريح وليس الحكومة»، وقال وزير القضاء غدعون ساعر، إن «لبيد يدخِل الحكومة في حرج لا طائل من تحته».
وهكذا، فإذا حسب لبيد أنه بهذا التصريح يعزز مكانته بين الإسرائيليين كرئيس وزراء له حضور دولي محترم وله موقف متميز داخل إسرائيل مختلف عن موقف نتنياهو «الذي يقود إسرائيل إلى حل الدولة الواحدة ويقضي على الحلم الصهيوني بإقامة دولة يهودية ذات أكثرية يهودية»، كما يقول الكثير من القوى اللبرالية واليسارية في إسرائيل، فإنه يجد نفسه رئيس حكومة لا يسيطر على حلفائه ولا يستطيع حتى التكلم باسم حكومته. ولهذا؛ فعلى الرغم من أهمية التصريح عن حل الدولتين، الذي يعدّ أفضل الحلول وأكثرها واقعية، فإن غرض لبيد منه لم يتحقق.