عكست زيارة الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني، إلى القاهرة، (السبت)، تناغما مصرياً – سودانياً، على صعيد العلاقات الثنائية، والأزمة السياسية في الخرطوم، فضلاً عن الملفات الإقليمية الساخنة، وعلى رأسها «سد النهضة» الإثيوبي.
وتتمتع القاهرة بـ«مصداقية» لدى الأطراف السودانية كافة، كونها ترفض التدخل في شؤونها، أو محاولة فرض توجه معين لا يناسب السودانيين، وفق مراقبين تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، بالإضافة إلى مواصلتها تقديم مساعدات غذائية وطبية، تعبيراً عن «التضامن بين الشعبين».
واستقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في القاهرة، رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان، في زيارة هي الثانية للعاصمة المصرية، منذ نحو 6 أشهر فقط؛ حيث التقيا في مارس (آذار) الماضي.
وجاءت زيارة البرهان للقاهرة، في طريق عودته من نيويورك، وإلقاء كلمة بلاده في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي عبّر خلالها عن خيبة أمله جراء فشل الجهود الدولية في التوصل لاتفاق بين القوى المدنية والمكون العسكري.
وتشير دراسة نشرها «المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية» إلى حاجة البرهان لتضامن عربي، يبدأ من القاهرة، ويسمح له بإيجاد مخرج للدولة السودانية من براثن الاضطرابات بعد إعلانه «عدم الانتظار إلى ما لا نهاية» حال التطويل دون إجراء انتخابات، خاصة مع طرح القضية أمام اجتماع الدورة العادية لجامعة الدول العربية المقرر عقدها في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل بالجزائر.
ولفت «المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية» إلى تطلع البرهان كذلك لـ«التعرف على الخبرات المصرية في مواجهة محاولات تغلغل (جماعة الإخوان)، باعتبار أن الشيء ذاته يعاني منه السودان وقد يقف عائقاً أمام تنفيذ أي اتفاق».
وشكا البرهان خلال كلمته بالأمم المتحدة من تفاقم الديون الخارجية وموجات الاضطرابات بين الجفاف والفيضانات نتيجة التغيرات المناخية، وارتفاع أسعار الطاقة والغذاء العالمي. وبحسب الدارسة المصرية، يعول السودان على مصر في لعب دور لتحقيق الأمن الداخلي والاستقرار، وحشد دولي لتمويله، في ظل استضافتها لمؤتمر المناخ (كوب 27) الذي يهدف إلى توفير الدعم المادي لقضايا المناخ للدول الأفريقية، بالإضافة إلى تسريع مشروعات التكامل الزراعي والكهربائي بين البلدين.
وتمتلك مصر «رؤية ومنهجاً خاصاً» للتعامل مع الأزمات الداخلية التي يمر بها السودان منذ 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021. كما يشير السفير محمد العرابي، وزير الخارجية المصري الأسبق.
يقول العرابي لـ«الشرق الأوسط» إن «مصر تستبعد فرض حلول على الأطراف المتنازعة في السودان، أو التدخل بشكل مباشر، بل تؤمن بضرورة أن يكون الحل سودانياً خالصاً، الأمر الذي منحها مصداقية أكبر لدى جميع الفرقاء، وقد بعثت أكثر من رسالة بهذا المعنى، وأكدت أن العالم لن يقدم العون دون أرض ممهدة».
وفي بيان ختامي للقاء السيسي والبرهان، عبّرت مصر عن إدراكها لـ«الظرف الدقيق الذي يمر به السودان حالياً»، ومطالبة بضرورة العمل المشترك لتحقيق الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي، كما وعدت باستمرار إرسال حزم المساعدات والـدعم اللوجستي والإنساني للسودان.
ولفت العرابي إلى «التفاهم الواضح بين قيادة البلدين حول الملفات الإقليمية الساخنة، وعلى رأسها قضية (سد النهضة)، الذي يحظى باهتمام بالغ في ضوء استمرار التعنت الإثيوبي، فضلاً عن أمن البحر الأحمر، والقرن الأفريقي، وهي أمور تتطلب تشاوراً مكثفاً وتنسيقاً مستمراً».
في السياق ذاته، قالت الدكتورة إيمان الشعراوي، مديرة وحدة الدراسات الأفريقية بمركز المستقبل الإقليمي للدراسات الاستراتيجية، لـ«الشرق الأوسط»، إن زيارة البرهان حملت كثيراً من الدلالات، أهمها ما يتعلق بالتوافق حول ملف «سد النهضة» والتعاون بين الدولتين بما يضمن الحقوق التاريخية في مياه النيل، واعتبرته بمثابة «ردّ حاسم على المشككين في توافق الرؤى المصرية والسودانية في هذا الملف الهام».
ووفق الشعراوي، فإن الزيارة عكست تقارباً في كثير من الملفات، خاصة الاقتصادية وتعزيز التبادل التجاري بحكم أنهما دولتا جوار وتتشاركان في أمور كثيرة، بالإضافة إلى دعم مصر للاستقرار السياسي داخل السودان، انطلاقاً من ارتباط الأمن القومي المصري بالسودان والعكس، واستدلت بتأكيد السيسي «حرص مصر على تقديم كافة سبل الدعم لتحقيق الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي في السودان، وإعلاء مصر مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى».