أفصح تحالف المعارضة السودانية «قوى الحرية والتغيير»، بعد تكتم شديد، عن اتصالات غير رسمية تُجرى حالياً مع قادة الجيش، للتفاوض على حل الأزمة السياسية في البلاد، وفي موازاة ذلك تظاهر الآلاف في العاصمة الخرطوم ومدن أخرى لمطالبة الجيش بالتنحي عن السلطة وتسليمها للمدنيين.
وكشف التحالف المعارض عن قبول «المكون العسكري» وثيقة دستورية مقترحة من نقابة المحامين، لكنه أبدى تحفظاً على بعض ما جاء فيها. ويؤسس مشروع الدستور الانتقالي لاستعادة مسار الحكم المدني في البلاد، من خلال تشكيل أجهزة السلطة الانتقالية وتحديد مهامها.
وقالت «قوى التغيير» في بيان ليلة أول من أمس، إن العسكريين أبدوا ما يفيد بقبولهم مشروع الدستور، مع وجود بعض الملاحظات حوله. ولم يكشف الطرفان عن نقاط الخلاف والتحفظات في مسودة مشروع الدستور، التي من المقرر أن تشكل مرجعية أساسية للاتفاق السياسي بينهما. ونفى التحالف المعارض صحة ما يُتداول من أنباء عن وصول الطرفين إلى اتفاق تام، وأكد أنه لن يمضي في أي حل سياسي دون توافق عريض يشمل قوى الثورة والانتقال الديمقراطي، ويُنهي إجراءات الجيش التي استولى بموجبها على السلطة في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وذكر البيان أن المكتب التنفيذي للتحالف يعكف على وضع ورقة تشكل موقفه من قضايا إنهاء الحكم العسكري وتأسيس السلطة المدنية الديمقراطية الكاملة، وتخضع للتشاور مع قوى الثورة والقوى المتوافقة على مشروع الدستور الانتقالي، لتشكل أساساً متوافقاً عليه بين أوسع قاعدة من أصحاب المصلحة في التحول المدني الديمقراطي. وجددت «قوى التغيير» تأكيد موقفها الثابت بأنها مع الحل السياسي المقبول، الذي يؤدي إلى «طي صفحة الانقلاب كلياً»، وينأى بالمؤسسة العسكرية عن العمل السياسي، ويقود لجيش واحد مهني وقومي وفقاً لإصلاحات شاملة محددة المواقيت والإجراءات.
كما شددت على ضرورة أن يتناول الاتفاق قضايا العدالة بصورة منصفة وشاملة، ويؤدي إلى تفكيك نظام الرئيس المعزول عمر البشير، ويقود إلى انتخابات حرة ونزيهة في نهاية الفترة الانتقالية. وحث التحالف المعارض «القوى المقاومة للانقلاب» على رص صفوفها لاستكمال مسيرة تحقيق تطلعات الشعب السوداني في الحرية والسلام والعدالة والدولة المدنية الديمقراطية. وتتسارع وتيرة التحركات والتصريحات السياسية في السودان، إثر تحركات للوساطة الدولية والإقليمية بين الأطراف للوصول إلى تسوية سياسية بأسرع وقت ممكن.
وأشارت «قوى التغيير» إلى أن مشروع الدستور الانتقالي لنقابة المحامين نجح في جمع طيف واسع من الفاعلين السياسيين حوله، كما اكتسب زخماً داخلياً وخارجياً، منوهةً إلى أن «قوى التغيير» أسهمت في تطوير الوثيقة الدستورية كمشروع أساسي ومقبول لإنهاء الانقلاب وتأسيس سلطة مدنية حقيقية تنفّذ مهام الانتقال الديمقراطي.
وفي غضون ذلك، خرج الآلاف في مظاهرات حاشدة في الخرطوم ومدن أخرى، تطالب بعودة الجيش إلى الثكنات وتسليم السلطة للقوى المدنية.
وكانت لجان المقاومة، التي تقود الحراك الاحتجاجي في الشارع، قد دعت إلى مواكب مليونية أمس، تصدت لها قوات الأمن والشرطة بالغاز المسيل للدموع والهراوات، على بُعد مئات الأمتار من الشارع الرئيس المؤدي إلى القصر الرئاسي وسط الخرطوم.
وترفع لجان المقاومة شعار «لا شراكة ولا تفاوض ولا شرعية» لقادة الجيش، وترفض أي تسوية سياسية تعيد الشراكة بين العسكريين والقوى المدنية في الفترة الانتقالية. وشهدت الأيام الماضية حراكاً مكثفاً للوساطة الدولية، المتمثلة بالآلية الرباعية التي تضم السعودية وأميركا والإمارات وبريطانيا، إلى جانب الآلية الثلاثية المكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومنظمة التنمية الأفريقية «إيقاد»، والتي عقدت اجتماعات مع قادة الجيش في مجلس السيادة، ولقاءات مع الأطراف الأخرى. ويستند الاتفاق السياسي إلى مشروع الترتيبات الدستورية للفترة الانتقالية التي صاغتها «نقابة المحامين» المحسوبة على المعارضة. وحظي المشروع بدعم داخلي وتأييد كبير من الأطراف الدولية والإقليمية، بوصفها مسودة يمكن البناء عليها لتأسيس أجهزة السلطة الانتقالية في البلاد، بموافقة جميع الأطراف الفاعلة في المشهد السياسي.