أقدم جندي، ومعه مجموعة كبيرة من المستوطنين اليهود، على مهاجمة قوة من الجيش الإسرائيلي، جاءت لمنعهم من الاعتداء على الفلسطينيين، وقاموا برش الجنود بغاز الفلفل، وقذفوهم بالحجارة. ولم يستبعد أحد الضباط أن يطلقوا الرصاص عليهم لو أنهم لم يتمكنوا من ردعهم.
ودان رئيس الوزراء، يائير لبيد، الاعتداء، وقال إن المعتدين على الجيش الإسرائيلي هم نشطاء اليمين المتطرف الذين أرسلهم إيتمار بن غفير من «حزب الصهيونية الدينية»، ويساندهم، ويقوم بالتغطية عليهم سياسيون آخرون في اليمين يريدون نشر الفوضى عشية الانتخابات.
وكان الجندي (20 عاماً)، وهو أيضاً مستوطن من مستعمرة «إيتمار» القائمة على أراضي نابلس، قد شارك عشرات المستوطنين من المستعمرة نفسها، ومن مستعمرة «تبواح» القائمة على أراضي تفوح وحوارة وغيرهما من البلدات الفلسطينية، قد هاجموا فلسطينيين عند مفرق حوارة، وسط الضفة الغربية. وعندما حضرت قوات من جيش الاحتلال الإسرائيلي لتهدئتهم وإبعادهم، راحوا يهاجمون أفراد القوة العسكرية. وأُصيب جراء ذلك قائد كتيبة في سلاح المظليين، وثلاثة جنود آخرون.
وحسب رواية الجيش، فإن القوة العسكرية، بقيادة قائد الكتيبة 202 في سلاح المظليين، حضرت إلى منطقة حوارة لتفريق عشرات المستوطنين الذين كانوا يعتدون على فلسطينيين بإلقاء الحجارة على سياراتهم. وراح المستوطنون يرشون الجنود بغاز الفلفل ويقذفونهم بالحجارة وغيرها من الأدوات الحادة، واشتبكوا معهم حتى مدخل مستعمرة «تبواح». وعندما اعتقل الجنود أحد المستوطنين تبين أنه جندي في الجيش النظامي الإسرائيلي.
أثار الاعتداء ردود فعل صاخبة في المجتمع الإسرائيلي والحلبة السياسية، تميزت بإدانة واسعة، ولكن من دون التطرق للاعتداء الذي نفذه المستوطنون على الفلسطينيين، وتسبب في تخريب للمركبات والمحال التجارية في حوارة، وكذلك تبرئة المستوطنين والمستوطنات من هذه الجريمة.
وقال رئيس الوزراء، لبيد، إنه «اعتداء خطير على جنود جيشنا الذين أرسلناهم لحماية المستوطنات، وخرق للقانون. يطالبون بفرض القانون الإسرائيلي، وفي الوقت نفسه يخرقونه». وعندما شعر بأن هذا الكلام ينسحب على جميع المستوطنين، استدرك قائلاً: «لكنني أؤكد أن هذا هو فعل متطرفين يمثلون أقلية بين المستوطنين، وقد أرسلهم بن غفير، وساندهم وشجعهم عدد من السياسيين الآخرين في اليمين الذين يرغبون في نشر الفوضى، عشية الانتخابات، على أمل أن يحققوا مكاسب حزبية». ووصف لبيد، في وقت لاحق «المعتدين»، بـ«زعران خطرين، وينبغي التنديد بهم، واستنفاد القانون ضدهم دون تردد وبشدة».
وأصدر رئيس أركان الجيش، أفيف كوخافي، بياناً أدان فيه هجوم المستوطنين، واعتبره «أعمال زعرنة لا تُحتمل وتستوجب معالجة فورية». وقال إنه «ليس معقولاً أن يهاجم مستوطنون جنوداً في الجيش الإسرائيلي الذين يدافعون عن المستوطنات والمستوطنين بحزم وإخلاص».
وأما وزير الدفاع، بيني غانتس، الذي يحاول إقناع اليمين بأنه أنسب شخصية سياسية لرئاسة الحكومة؛ فقد حرص على القول إن «هؤلاء المستوطنين لا يمثلون الاستيطان. إنهم مشاغبون يمسون بأمن مواطني إسرائيل وسكان المنطقة».
لكن وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، عومر بارليف، انتقد نعومة الانتقادات الموجهة للمستوطنين، وقال: «الكلام المعسول لن يغير حقيقة أن العنف الذي مارسته هذه الليلة عصابات المشاغبين المستوطنين تجاه جنود الجيش الإسرائيلي والفلسطينيين في منطقة حوارة وتبواح، هو إرهاب بكل معنى الكلمة، وسيستنفد القانون ضدهم». وأضاف أنه «ليس فقط إنكاراً للجميل من جانب المشاغبين تجاه مَن يخاطرون بحياتهم من أجلهم، وإنما عار أخلاقي من الدرجة الأولى».
بالمقابل، دافع عضو «الكنيست» العنصري، إيتمار بن غفير، عن المستوطنين المعتدين، بالقول: «يتجاهلون المعتدين الفلسطينيين، ويهاجمون اليهود. الجيش الإسرائيلي يقدم رواية أحادية الجانب بصورة كاذبة؛ ففي البداية ألقى الإرهابيون الفلسطينيون حجارة باتجاه المستوطنين اليهود، والجيش يتجاهل ذلك. وهذا دليل آخر على التسييس الذي يحاول بيني غانتس إدخاله إلى الجيش الإسرائيلي. إن غانتس يهدر حياة المستوطنين الأبطال، ويكبل أيدي جنوده في محاربة الإرهاب، ويستبيح أمن دولة إسرائيل».
وقد احتل موضوع اعتداءات المستوطنين على الجنود الإسرائيليين، عناوين وسائل الإعلام والأجندة الرئيسية. لكن قلة منهم ذكرت أن المستوطنين المتطرفين هم ذلك المسخ الذي وُلِد من رحم الاحتلال، ويحظى بالتدليل والتشجيع، وما يحدث اليوم أنه ينقلب على صانعه.