رفع المزارع المغربي عادل المنيعي أكف الضراعة إلى السماء، داعياً أن تكون أمطار «الوسم» التي يستقبلها المغرب بدايات الشهر المقبل، مسكناً لآلام مرض الجفاف الذي وجد طريقه ممهداً إلى الأرض الزراعية، بسبب «التغيرات المناخية».
وتسببت تغيرات المناخ في أقسى موسم للجفاف تشهده المنطقة العربية في تاريخها الحديث، «الأمر الذي أثر على إنتاجية الأرض الزراعية» التي يملكها المنيعي كما يقول لـ«الشرق الأوسط»، مضيفاً أن «تلك الأزمة تسببت بدورها في غلاء أسعار المواد الغذائية»، ويطمح المزارعون والمواطنون في المنطقة العربية أن تخفف تلك الأمطار من وطأة الأزمة.
وتعيش المنطقة العربية جفافاً ممتداً منذ أكثر من 20 عاماً، يوصف بأنه الأطول خلال ألف عام تقريباً، وفق تقرير لوكالة الفضاء الأميركية «ناسا»، غير أنه كان شديد القسوة هذا العام، ووصفه ملك المغرب، في خطاب ألقاه الجمعة بمناسبة افتتاح أعمال البرلمان، بأنه «الأكثر حدة، منذ أكثر من ثلاثة عقود».
والأمر ليس بأفضل حالاً في بلدان عربية أخرى، ومنها سوريا التي أشار تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة «الفاو» إلى أن موسم الأمطار فيها تأخر لقرابة شهرين، وانتهى قبل شهرين على خلاف المعتاد، وهو ما جعل مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، يصف حالة الجفاف في سوريا، بأنها الأسوأ منذ 70 عاماً.
وشهدت دولة العراق هي الأخرى جفافاً غير مسبوق، تسبب في زيادة العواصف الرملية، واستمر انخفاض هطول الأمطار في مصر، وزاد بشكل ملاحَظ خلال الشتاء الماضي.
ولم يكن الوضع بأفضل حالاً في دول الخليج والأردن، حيث كشفت تقارير المراكز الوطنية للأرصاد عن تسجيل أدنى مستوى لسقوط الأمطار خلال الـ20 عاماً الأخيرة، وهو ما يفرض ضغوطاً غير مستدامة على طبقات المياه الجوفية.
وبينما تأتي التقارير الدولية الصادرة قبل قمة المناخ «كوب-27» التي تستضيفها مدينة شرم الشيخ المصرية الشهر المقبل، متوقعة استمرار مرض الجفاف، بل اتجاهه للتمكن أكثر وأكثر من طقس المنطقة، جاءت تنبؤات «أمطار الوسم» هذا الموسم، لتعطي المنيعي وغيره من المزارعين بالعالم العربي، بعضاً من الأمل في تسكين آلام هذا المرض العضال.
ويبدأ موسم أمطار «الوسم» في 16 أكتوبر (تشرين الأول)، ويستمر حتى 6 ديسمبر (كانون الأول)، والوسم هو الاسم المستخدم خليجياً لأمطار الخريف؛ لأنها تترك أثراً عند هطولها على الأرض بالخضرة والنبات.
وتوقع خبراء الطقس ارتفاع فرص هطول الأمطار في السعودية وبلاد الشام ما بعد 20 أكتوبر، وفق تقرير لموقع «طقس العرب»، كما قال إبراهيم الجروان رئيس مجلس إدارة جمعية الإمارات للفلك، في تصريحات صحافية، إن موسم «الوسم» دخل الإمارات في 16 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، وتوجد بشائر لهطول أمطار الخير.
ونقل موقع «أكادير» المغربي عن خبراء في الطقس، أنه ابتداء من الأسبوع الأول من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) ستكون هناك تغيرات جوية مهمة، قد يصاحبها هطول أمطار بمقاييس جيدة في مختلف مناطق المغرب.
ويقول نادر نور الدين، أستاذ الموارد المائية بكلية الزراعة جامعة القاهرة لـ«الشرق الأوسط»: «هذه الأمطار الخريفية طبيعية، وتسقط كل عام، لا سيما في منطقة الخليج العربي، ولكن فائدتها الكبيرة تتحقق عندما تسقط على فترات متعددة ومتباعدة؛ حتى تتمكن الأرض من الاستفادة بشكل أكبر من هذه الأمطار».
وحتى الآن لم تشر التنبؤات إلى طبيعة أمطار هذا الموسم، التي لن تكون مفيدة إذا هطلت بكميات كبيرة وخلال وقت قصير، بنفس نمط هطول الأمطار الصيفية غير الاعتيادية التي شهدتها منطقة الخليج في الصيف الحالي، ووصفت بأنها أحد أبرز تداعيات تغير المناخ.
ولا تملك مراكز الأرصاد الجوية تنبؤات دقيقة بطبيعة أمطار الخريف، كما تقول الدكتورة منار غانم، عضو المركز الإعلامي بالهيئة العامة للأرصاد الجوية بمصر.
وتقول غانم لـ«الشرق الأوسط»: «الخريف هو فصل التقلبات السريعة، لذلك ليس من المستبعد أن تكون حالات الطقس خلاله جامحة، لتشهد معدلات هطول للأمطار أكبر من المعتاد أو أقل من المعتاد».
وتضيف أنه «مع تغير المناخ لا تستطيع أن تبني توقعات لفترة طويلة، بدليل ما حدث في الصيف الماضي، حيث شهدت أوروبا موجة جفاف مفاجئة، في مقابل هطول غزير للأمطار في الدول الخليج».
وإزاء هذا الوضع لا تملك الدول سوى أن يكون لديها برامج للتكيف مع تغير المناخ، بحيث تكون هناك على سبيل المثال بنية تحتية تسمح باستغلال مياه الأمطار حال هطولها بكميات كبيرة، وخلال فترة قصيرة.
ويفرق محمد الحجري، رئيس وحدة الري والصرف بمركز بحوث الصحراء في مصر، في البنية التحتية المطلوبة لإدارة مياه الأمطار، بين المطلوب في المدن وفي المناطق الزراعية.
ويقول الحجري لـ«الشرق الأوسط» إنه «يجب أن يكون بالمدن صرف متخصص لمياه الأمطار، يتم توجيهه إلى بحيرات اصطناعية مثلاً؛ لأن الأمطار الغزيرة تهلك شبكات الصرف الصحي، هذا فضلاً عن أن هذه الشبكات ليست المكان الأنسب لها، فهذه مياه صالحة للاستخدام في الزراعة، فهل من الحكمة أن يتم تصريفها في شبكات الصرف الصحي، لأقوم بعد ذلك بإجراء معالجة مكلفة لهذه المياه، لإعادة استخدامها؟».
أما بالنسبة للمناطق الزراعية فتوجد حلول كثيرة يشير إليها الحجري، ومنها إنشاء آبار لتخزين المياه، كالتي أنشأها الرومان في مصر بمنطقة الساحل الشمالي، ويوجد مشروع حالياً لإعادة تأهيلها، كما توجد آلية تعرف باسم «الحرث التخزيني»، عن طريق عمل فجوات في التربة تقلل من سرع المياه، وتسمح باستفادة الأرض الزراعية منها، أو إنشاء نظام السدود الهلالية لحصاد مياه الأمطار، وزراعة هذه السدود بالأشجار العلفية، وهو مشروع نفذته مصر مؤخراً بمدينة مرسى مطروح، وأخيراً، يوجد الري الفيضي السيلي، وهو من أقدم أنظمة الري في العالم، وتم إنشاؤه للاستفادة من مياه الفيضان بتحويلها عبر قنوات للأراضي لري المحاصيل.
ويضيف الحجري: «مع تغيرات المناخ، لا نملك إلا التوسع في هذه الحلول، لأنها تضمن الاستفادة من مورد المياه، إذا هطلت الأمطار بشكل متطرف متمثلاً في كميات كبيرة وخلال وقت قصير».