أصدر مجلس يمني يُعنى بشؤون الأقليات كتاباً يوثق فيه التنكيل الذي تعرضت له الأقليات الدينية في اليمن، منذ عام 2015، على يد الميليشيات الحوثية.
واستعرض تاريخ وجود الأقليات الدينية والتعايش بين مكونات المجتمع اليمني قبل اجتياح الميليشيات للعاصمة، وما تبع ذلك من أحداث دفعت برموز هذه الأقليات وكثير من أفرادها إلى الفرار خارج البلاد، أو الانتقال إلى مناطق سيطرة الحكومة الشرعية.
وذكر معدو الكتاب أن الهدف هو «التعريف بجملة الانتهاكات التي تعرضت لها هذه الفئات الاجتماعية، ونقل معاناتهم إلى كافة المحافل الإنسانية من أجل حمايتهم»، على أمل أن يسهم ذلك في تغيير بعض السياسات والإجراءات التي أثرت على مستويات معيشتهم وأمنهم وكرامتهم.
وأكد معدو الكتاب، وهم مجموعة غير حكومية، أن الأقليات في اليمن عاشت بسلام مع الأغلبية المسلمة، وأن التاريخ الحديث لم يسجل أي انتهاكات جسيمة بحق مجتمع الأقليات الدينية والعرقية «مثلما يحدث حالياً في مناطق سيطرة عصابة الحوثي».
وفق ما جاء في مقدمة الكتاب فإن «الممارسات الطائفية لعصابة الحوثي المدعومة من إيران تسببت في إحداث تصدع كبير في المجتمع اليمني كونها استهدفت التعايش المجتمعي القائم منذ مئات السنين»، حيث لم يعرف اليمن في تاريخه جريمة تطهير عرقي وإقصاء ديني «إلا في عهد عصابة الحوثي»، لأنها جماعة عنصرية تقوم على التمييز بكل أشكاله، وتترجم هذه الفكرة في تعاملها مع الأقليات.
ويستعرض الكتاب الانتهاكات الجسيمة وعمليات التطهير التي مورست في حق الأقليات، لا سيما أتباع الديانة اليهودية، وأتباع الديانة المسيحية، وأفراد الطائفة البهائية، بالإضافة إلى الأقلية ذات الأصول الأفريقية المعروفة باسم المهمَّشين.
ويقول الكتاب إن اليمن عرف أيام حكم الرئيس الراحل علي عبد الله صالح «تقدماً ملحوظاً» في مجال حقوق الإنسان، لكن هذا التقدم أصيب بانتكاسة كبيرة منذ ما بعد 2011، ووصولاً إلى انقلاب ميليشيات الحوثي على السلطة الشرعية، في عام 2014.
– تهجير اليهود
رغم هجرة معظم يهود اليمن إلى إسرائيل، فإن الأقلية التي رفضت الهجرة عاشت حياة كريمة وآمنة في اليمن، وفق الكتاب الذي ذكّر بأنهم كانوا يمارسون أعمالهم الحرفية ويؤدون شعائرهم الدينية دون أي اضطهاد، وحصلوا على حقوقهم مثل بقية السكان، إلا أن الميليشيات الحوثية مارست بحقهم «أبشع الانتهاكات والجرائم».
ويوثق الكتاب مراحل استهداف الميليشيات الحوثية لأتباع الديانة اليهودية منذ بداية ظهور هذه الجماعة، في منتصف عام 2004، حتى ترحيل آخر العائلات في منتصف عام 2020.
وينقل الكتاب عن أتباع الديانة اليهودية أنه، ومنذ اقتحام ميليشيات الحوثي للعاصمة صنعاء، زاد خوفهم، كما قيدت حركتهم داخل الحي الذي كانوا يسكنونه، وتعرضوا للمضايقات، ومنع عليهم استقبال الزوار، كما تعرضت منازلهم للتفتيش عدة مرات، واعتقل حاخام الطائفة وأحد أقاربه، والأخير لايزال في السجن للسنة السابعة، وأخيراً تلقوا تهديدات من «عصابة الحوثي بمغادرة صنعاء، وهو ما تم بالفعل».
– مآسي البهائيين والمسيحيين
استعرض الكتاب التنكيل الذي تعرض له البهائيون، وصولاً إلى نفي وجهاء هذه الطائفة من البلاد والحجز على مؤسسات الطائفة وأموال أتباعها، بالتزامن مع حملة اعتقالات طالت الذكور والإناث وحتى الأطفال، إلا أنه، ونتيجة للضغط الدولي، تراجعت ميليشيات الحوثي عن تنفيذ حكم الإعدام الذي صدر بحق أبرز وجهائها؛ حامد بن حيدرة، وأصرت على ترحيلهم ونهب ممتلكاتهم «في سابقة هي الأولى من نوعها في اليمن».
ويجزم الكتاب بأن اليمن «شهد، منذ سيطرة عصابة الحوثي على العاصمة، أسوأ وضع إنساني على الإطلاق»، وكان البهائيون ممن تعرضوا للاضطهاد الجماعي والممنهج، كغيرهم من الفئات، وحرمانهم من أبسط حقوقهم الإنسانية، طبقاً لما ذكره المؤلفون، حيث إن هناك المئات من أتباع هذه الطائفة ما زالوا يعانون بصورة شبه يومية من الاضطهاد والإرهاب الذي يُمارس عليهم، بما في ذلك المضايقات المالية والتسريح من الوظائف.
بالمثل، فيما يخص وضع الأقلية المسيحية التي يُقدَّر عدد أفرادها بنحو 40 ألف شخص، يذكر الكتاب أن هذه الأقلية تعرض أفرادها لانتهاكات عديدة، مثل القتل والاعتقال والإخفاء القسري والتعذيب والمصادرة والتهجير، ويقول إن أفراد هذه الأقلية أُجبروا على الصمت وعدم الإفصاح عن معتقدهم، خوفاً على حياتهم، ويورد وقائع للجرائم التي تعرضوا لها، ما اضطر القادرين منهم على مغادرة مناطق سيطرة الحوثيين إلى الخارج أو مناطق أخرى هرباً من القمع.
وبحسب ما جاء في الكتاب، فإنه ومنذ اندلاع الحرب التي أشعلتها ميليشيات الحوثي تعرض المهمشون في مناطق سيطرة تلك الميليشيات للتهديد والضرب والزج بهم في جبهات القتال، حيث بلغ عدد القتلى منهم 368 فرداً، من بينهم 102 من الأطفال، كما تم تجنيد 15 من الفتيات، وذكر أن مسلحي الميليشيات منعوا المهمشين من دفن امرأة في حي مذبح، غرب صنعاء، لأسباب عنصرية.