رسم خبراء عراقيون متخصصون بالتنظيمات المتشددة سيناريوهات لوضع التنظيم الإرهابي «داعش»، بعد سلسلة النكسات التي تعرَّض لها خلال السنوات الماضية، والمتمثلة بمقتل زعمائه، وآخِرهم «أبو الحسن القرشي».
كان التنظيم الإرهابي قد أعلن، الأربعاء، مقتل زعيمه، في تسجيل صوتي منسوب إلى الناطق باسمه «أبي عمر المهاجر». وفي حين لم يحدد مكان أو تاريخ مقتل القرشي، فإن المهاجر قال، طبقاً للتسجيل، إن «القرشي قُتل وهو يراغم أعداء الله ويجالدهم…»، وفي الوقت نفسه أعلن تعيين «أبي الحسين الحسيني القرشي» زعيماً رابعاً للتنظيم.
وفي العراق ورغم النكسات التي تعرّض لها التنظيم، خلال السنوات الماضية، ومن أبرزها نهاية ما سمي بـ«دولة العراق الإسلامية» على يد الجيش العراقي أواخر عام 2017 خلال عهد رئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي، لكنه لا يزال قادراً على شن هجمات مختلفة ضد القوات الأمنية العراقية، أو حتى بين المدنيين. من جهتها، استمرت القوات العراقية في ملاحقة خلايا التنظيم بالمناطق التي لا تزال تشكل ملاذات آمنة له، ولا سيما في المناطق الواقعة بين محافظات ديالي وكركوك وصلاح الدين ونينوى، فضلاً عن صحاري الأنبار.
في هذا السياق أعلن «جهاز الأمن الوطني»، الخميس، إلقاء القبض على 16 مطلوباً للقضاء، وفق أحكام «المادة/ 4 إرهاب»، في محافظات نينوى وكركوك وصلاح الدين وديالي والأنبار. وقال، في بيان له، إن ذلك جرى «بعد تكثيف الجهود الاستخبارية، وتعاون المواطنين في الإبلاغ عن الإرهابيين».
ووفقاً للبيان، فقد «جرى تدوين أقوال المتهمين أصولياً، وإحالتهم إلى الجهات القضائية المختصة لاتخاذ الإجراءات اللازمة بحقّهم وفق القانون».
وحول مستقبل تنظيم «داعش» بعد مقتل آخر زعمائه، يقول الخبير الأمني المتخصص بشؤون الجماعات الإرهابية فاضل أبو رغيف، لـ«الشرق الأوسط»، إن «التنظيم الإرهابي ورغم كل ما يحصل له، يبقى تنظيماً عقائدياً منظماً حصيناً شرساً، وتبقى عقيدته كما هي، ومن ثم فهو يتوارى في بعض المناطق، من بينها مناطق محصورة بين كركوك وصلاح الدين ومرتفعات بادوش ومرتفعات الشيخ يونس وفي مناطق شمال سوريا».
وحول أهمية مقتل زعيم التنظيم، يقول أبو رغيف إن «التنظيم يعتمد على روح الجماعة، لا على الأفراد، ومن ثم حتى في حال قتل فرد منه لا يتأثر، والدليل هو كيف توالدت قيادات أو توارثت قيادات له، عن طريق الشورى والاختيار لأنهم لا يؤمنون بالنص»، مبيناً أن «عملية الانتقاء والشورى تبقى متداولة فيما بينهم، وهو ما يعني أن هذا التنظيم باق، وهذا البقاء مأخوذ من قدرته على الديمومة، فضلاً عن الإيمان الراسخ، بالنسبة لهم، بما يعتقدون».
في السياق نفسه، يرى الدكتور معتز محيي الدين، رئيس «المركز الجمهوري للدراسات الاستراتيجية»، في تصريح، لـ«الشرق الأوسط»، أن «أبو الحسن الهاشمي القرشي من القيادات المهمة لتنظيم داعش. ويُعرف بهذا الاسم، بينما اسمه الحقيقي هو زيد العراقي أو جمعة عوض البدري، وكان يتولى في السابق إمارة ديوان التعليم، وكان مقرباً جداً ومرافقاً شخصياً لزعيم التنظيم الأسبق أبي بكر البغدادي»، مبيناً أن «التنظيم، على ما يبدو، انكشف أمام القدرة الاستخبارية في منطقة أدلب للقوات الأميركية، وكذلك لقوات سوريا الديمقراطية، وهو ما يعطي دلالة كبيرة جداً على أن هناك تعاوناً استخبارياً مهماً جداً لملاحقة القيادات الكبيرة، والتي لا تستطيع الاختفاء فترة طويلة؛ نتيجة المتابعة المركزة، فضلاً عن الطائرات المسيّرة الموجودة في السماء السورية قرب الحدود التركية».
وتابع محيي الدين: «نجد أنه بعد مقتل هذا الزعيم، ستحدث خلافات داخل داعش، ذلك أن هذا الجيل الذي كان يرافق البغدادي قد انتهى، ومن ثم فإن خليفته سوف يكون غير مؤثر؛ كون الجيل الثاني لا يتمتع بتلك القدرة القتالية والقيادية التي كانت للجيل الأول… يبدو أن الغارات الجوية التي قتلت قيادات مهمة مثل أبي بكر البغدادي أو أبي محمد العدناني الذي كان مسؤولاً عن العمليات الخارجية والأنشطة الإعلامية، تؤكد أن مقتل هؤلاء أثّر على التنظيم عبر كل المستويات، وخصوصاً من دون الحصول على المبايعات المزعومة في مختلف المناطق».
وأوضح أن «خليفته الذي أعلن عن اسمه لا تتوفر عنه معلومات مهمة، لكنه ينتمي إلى الجيل الثاني، وسوف يبقى مرصوداً من قِبل القوات الأميركية وقوات سوريا الديمقراطية، ومن المتوقع أن تتم تصفيته مثل الذين سبقوه».