اعتاد منصور المشجع اليمني المتعصب للمنتخب الإسباني أن يختار مكانه منذ أربع سنوات في صدارة استراحة أحد الأحياء جنوب العاصمة اليمنية حيث يتجمع الكثيرون لمتابعة مباريات كرة القدم، لكنه هذا العام صدم بعرض تسجيلات لزعيم ميليشيات الحوثي في الفترة الزمنية الفاصلة بين شوطي المباريات.
ويشرح الشاب في حديثه لـ«الشرق الأوسط» كيف أنه وأصدقاءه حينما استنكروا ما حدث أبلغهم مالك الاستراحة التي يترددون عليها بشكل شبه دائم بأن القيادي الحوثي خالد المداني المعيّن وكيلاً لأمانة العاصمة صنعاء أصدر تعميماً ألزم فيه كافة الاستراحات بضرورة بث الدروس الطائفية أو ما تسمى المحاضرات التي يلقيها زعيم الميليشيات خلال الفترة الفاصلة بين الشوطين وخلال الفترة الفاصلة بين المباراة والتي تليها.
ويضيف الشاب: «كان الموضوع محل سخرية الجميع لكن المالك لا يستطيع رفض التوجيهات لأن المخبرين السريين التابعين للميليشيات موزعون على كافة الاستراحات للتأكد من الالتزام بالتعميم، ومن يخالف ذلك تغلق استراحته، في حين أن فترة بطولة كأس العالم تشكل مصدر دخل أساسياً لهذه الأماكن المنتشرة في مختلف أحياء المدينة حيث يصعب على غالبية الناس الاشتراك في قنوات بث البطولات الرياضية الكبيرة.
ويقول ناشطون مدنيون في صنعاء إن الميليشيات الحوثية وبعد أن لمست الرفض الشعبي لمساعي تطييف المجتمع لجأت إلى فرض هذه الأفكار في المدارس وفي المؤسسات الحكومية، وفي المساجد ومناهج التعليم ووسائل الإعلام، وصلت أخيراً إلى إلزام استراحات عرض مباريات كأس العالم بعرض أفكارها الطائفية على الشاشات، في فترات ما بين المباريات، وإجبار المرتادين على الاستماع لقيادتها والترويج القسري لشعاراتها.
ويؤكد أنس وهو موظف في القطاع الخاص، أن الخطوة الحوثية ليست جديدة، إذ فرضت الميليشيات في شهر رمضان قبل الفائت على كل الاستراحات وقف بث المباريات كل يوم من الثامنة وحتى التاسعة مساءً لإرغام الرواد على سماع خطبة زعيمها الحوثي.
ويقول: «ما يتم الآن هو امتداد لذلك التوجه، إذ يريد الحوثيون فرض أفكارهم وتوجهاتهم الطائفية على الجميع؛ لأنهم يدركون أن الناس يرفضون تلك الأفكار حيث إن غالبية الشعب من أتباع المذهب السني في حين أن الميليشيات وأتباعها يشكلون نسبة خمسة في المائة من عدد سكان البلاد البالغ قرابة 31 مليون شخص.
وبسخرية يقول فؤاد وهو موظف حكومي لم يتسلم رواتبه منذ سبعة أعوام إن قيادة الميليشيات ومشرفيها ومندوبيها في كل الجهات والأحياء السكنية، يعرفون جيداً أن الناس لن تقبل بأفكارهم الطائفية والعنصرية، ومع ذلك يصرون على تنغيص حياة الناس بمثل هذه التوجيهات، ويؤكد أن الجماعة تريد أن تقول: «نحن نعرف موقفكم لكننا سنجبركم على سماع أفكارنا».
أما أحمد وهو ناشط مدني فيقول إن الوضع في الاستراحة التي يذهب إليها في غرب المدينة كان أشبه بحفلة من الاستهزاء والسخرية حين يظهر زعيم الميليشيات على شاشة العرض عقب انتهاء المباراة.
ومنذ مطلع الشهر الحالي كثفت ميليشيات الحوثي من الدروس الطائفية الإجبارية على طلبة المدارس حيث خصص يوم الخميس من كل أسبوع لنزول عناصرها إلى المدارس التي ألزمت بتنفيذ برامج إذاعية يعدها ما يسمى المكتب التربوي للميليشيات.
كما خصصت الجماعة الانقلابية يوم الأربعاء من كل أسبوع للدروس الطائفية في جميع الدوائر والمصالح الحكومية. وتواصل فرض ما تسمى مدونة السلوك الخاصة بالموظفين والتي تشترط على الجميع الإيمان بالحق الإلهي لسلالة زعيم الميليشيات في الحكم والمشاركة في القتال كأساس للبقاء في الوظيفة.
ورغم حملة الرفض الشعبية الواسعة لكل مساعي تطييف المجتمع فإن قيادة الميليشيات تواصل فرض ما تسمى «مدونة السلوك» على كافة الجهات وكان آخرها إرغام ما تسمى رئاسة مجلس النواب بتوقيع تعهدات بالتزام تلك المدونة، وبالتزامن مع ذلك كثفت وسائل إعلام الميليشيات نقل فعاليات إلزام الموظفين بتوقيع تعهد الالتزام بتلك المدونة في مسعى للتغطية على حالة الرفض الواسعة التي قوبلت بها هذه المدونة حتى من أعضاء ومناصري الجماعة.