أمرت محكمة سودانية النيابة العامة بتقييد دعوى جنائية ضد مدير السجن القومي «كوبر»، وهو ضابط شرطة بدرجة لواء، لرفضه تنفيذ قرارها بنقل متظاهر متهم بالقتل، من الحبس الانفرادي إلى الحبس الجماعي، وذلك بعد أن كانت شرطة السجون قد اقتادته إلى المحكمة الأسبوع الماضي مقيداً بالسلاسل وتبدو عليه آثار اعتداء، ما اضطر القاضي لتأجيل الجلسة. وقال قاضي المحكمة زهير بابكر عبد الرازق، في حيثيات قراره، أمس، إن محكمته أصدرت في 14 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، قراراً بنقل المتهم محمد آدم الشهير بـ«توباك» من محبسه الانفرادي وضمه لبقية المتهمين، وأحضر للمحكمة في جلسة وعلى يديه القيود التي تركت مفاتيحها في السجن، وبدت عليه إصابة موثقة بتقرير طبي، في مخالفة لقرار سابق صادر عن المحكمة بعدم إحضار أي متهم مقيداً للمحكمة.
وأوضح القاضي أن سلطات السجن المركزي في كوبر لم تلتزم بتوجيهات المحكمة بحبس المتهمين، وهم أربعة في ذات الاتهام، في محبس واحد، والإفادة بأسباب حبس المتهم توباك الانفرادي وأسباب تقييده، وعدم إحضار متهم وهو مقيد للمحكمة، وذلك قبل جلسة أمس، وأن عدم التزامها بقرارات المحكمة يوقع إدارة السجن بمخالفة القانون.
وأضاف القاضي تسبيباً لقراره: «في ظل هذه الظروف فإن المحكمة لا تطمئن على سلامة المتهم»، وقد صدر قرار بقيد دعوى جنائية تحت المادة 90 من القانون الجنائي السوداني لسنة 1991 ضد مدير السجن لواء الشرطة الطيب أحمد عمر، ومخاطبة النيابة المختصة بذلك ونقل المتهم إلى سجن آخر، وهو السبب الذي أجلت بسببه المحكمة جلستها السابقة». وتنص المادة 90 من القانون الجنائي على إساءة استعمال سلطة الإحالة للمحكمة أو الاعتقال، وهي أفعال تعد مخالفة للقانون، ويعاقب الموظف العام الذي يرتكبها حال إدانته بالسجن مدة لا تتجاوز الثلاث سنوات، مع جواز معاقبته بالغرامة.
وقال المحامي المعز حضرة إن قرار القاضي زهير بابكر أعاد للقضاء السوداني هيبته وقوته، وأرسل رسالة واضحة لمنسوبي الأجهزة النظامية خصوصاً الشرطة لاحترام مبدأ سيادة حكم القانون وعدم الإفلات من العقاب. ودعا حضرة النيابة العامة لتنفيذ قرار القاضي بفتح بلاغ جنائي ضد مدير السجن. وأضاف: «فتح هذا البلاغ لا يحتاج إلى رفع حصانة، وإلى موافقة مدير عام الشرطة… لأن الجريمة وقعت عمداً وبقصد وإصرار، رغم أوامر القاضي». وتابع: «فتح هذا البلاغ ربما يكون رسالة أخيرة للشرطة السودانية ومديرها العام لاحترام مبدأ سيادة حكم القانون».
وفي 13 يناير (كانون الثاني) الماضي، لقي ضابط الشرطة علي محمد بريمة، وهو ضابط برتبة عميد في شرطة الاحتياطي المركزي «مكافحة الشغب» حتفه، إثر إصابته بآلة حادة أثناء إشرافه على قواته التي كانت تفض تظاهرات اندلعت بالقرب من تقاطع شارعي السيد عبد الرحمن والقصر وسط الخرطوم، في مسافة تبعد بضعة أمتار عن القصر الرئاسي. ولاحقاً، ألقت الشرطة القبض على أربعة من المتظاهرين وهم محمد آدم أرباب الملقب بـ«توباك»، وأحمد الفاتح ولقبه «الننة»، ومحمد الفاتح ولقبه «ترهاقا»، وجهت لهم اتهامات بقتل العميد بريمة تحت المادة 130 من القانون الجنائي «القتل العمد»، فيما وجهت تهمة التستر لطبيبة صيدلانية. وقالت عضو هيئة الدفاع عن المتظاهرين المتهمين المحامية سعاد محمود لـ«الشرق الأوسط»، إن المتهمين تعرضوا للتعذيب أثناء التحقيق معهم، وإن المتهم توباك تعرض للضرب مرة أخرى أثناء حبسه الانفرادي، وإن تقرير الطبيب أكد تعرضه للاعتداء. وكانت المحكمة قد استجابت في وقت سابق لطلب هيئة الدفاع عن المتهمين الاطلاع على يومية التحري، في أول سابقة من نوعها في تاريخ القضاء السوداني، بموازاة بيانات صحافية صادرة عن الدفاع وأسر المتهمين ذكرت أنهم تعرضوا للتعذيب داخل السجن وحرموا من العلاج، للحصول على بيانات تدينهم. ونقل عن رئيسة هيئة الدفاع عنهم المحامية إيمان عبد الرحيم وقتها، أن أي بيانات أخذت تحت التعذيب مردودة قانوناً، وتمثل جريمة يعاقب عليها القانون حال ثبوتها.