أعلنت بعثة الاتحاد الأوروبي في السودان رغبتها في بناء شراكة مع السودان، تقوم على مبادئ حقوق الإنسان وتحفظ «الكرامة والحرية والعدالة للجميع»، وأعلنت عن تخصيص حزمة مساعدات بمبلغ 15 مليون يورو تخصص خمسة منها لحماية حقوق الإنسان، وخمسة للمساعدة على تعزيز سيادة القانون، والخمسة الثالثة لدعم الشباب العاملين في مجال التحول الديمقراطي والسلام، وذلك في مناسبة احتفالات الاتحاد باليوم الدولي لحقوق الإنسان.
وقال سفير الاتحاد الأوروبي في السودان أيدان أوهارا في كلمته بالمناسبة أمس، إن اتحاده التزاماً بالمبادئ التي حصل بناءً عليها على جائزة نوبل للسلام قبل عشر سنوات، سيعمل على النهوض بتلك المبادئ وإنشاء شراكات تقوم عليها في البلاد التي تعتمدها، وإنه وانطلاقاً منها يسعى لبناء شراكة مع السودان. وأعلن أوهارا ترحيب دول الاتحاد بتوقيع الاتفاق الإطار السياسي، والالتزامات التي يتضمنها وتخص احترام حقوق الإنسان وحرياته، والمساواة في المواطنة «دون تمييز لجنس أو دين أو عرق»، وأضاف: «يتعين على بعض المُوقعين أن يتذكروا أن الحريات التي وقعوا عليها مؤخراً تشمل حرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات، وأن ممارستها تتطلب ضبط النفس من قِبَل من يقع على عاتقهم الحفاظ على القانون والنظام».
وتعهد الدبلوماسي النافذ بدعم انتخاب السودان لعضوية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بالعمل مع المفوض السامي لحقوق الإنسان على أن يقوم السودان بتنفيذ التوصيات الصادرة عن المجلس والبالغة 43 توصية موجهة للسودان، والالتزام بحملة السودان للحصول على عضوية المجلس المستندة إلى إيفائه بالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان. وتعبيراً عن حسن النوايا، أعلن الاتحاد تقديم حزمة حوكمة قدرها 15 مليون يورو، موجهة لثلاثة مجالات محددة للعام 2023، تخصص خمسة منها لحماية حقوق الإنسان في السودان والنهوض بها، بما في ذلك تنفيذ المعايير الدولية على أرض الواقع، وخمسة منها للمساعدة على تعزيز سيادة القانون والوصول للعدالة، بما في ذلك المساعدات القانونية للسجناء والخدمات للمحتجزين وخصوصاً المستضعفين من الشباب والنساء، فيما تخصص الخمسة المتبقية لدعم الشباب العاملين في عمليات التحول الديمقراطي والسلام، وتعزيز التمكين المدني وإتاحة الفرص الاجتماعية والاقتصادية لهم.
وأضاف: «ينصب تركيزنا هنا على الشباب، لأن هذا جيل لا يمكن للسودان أن يخسره». وتعهد الاتحاد بدعم العملية السلمية، وقال إنه يقف على أهبة الاستعداد لتقديم الخبرة الفنية للفرق المشاركة في المشاورات بشأن المسائل المعلقة والحساسة، «لا سيما خبرة الاتحاد الأوروبي المتعلقة بمسألة العدالة الانتقالية». وتابع: «نحن نقوم بذلك تحت شعار اليوم العالمي لحقوق الإنسان لهذا العام، وهو مبدأ الكرامة والحرية والعدالة للجميع».
في غضون ذلك، فرقت الشرطة السودانية بالغاز المسيل للدموع، مظاهرات مناوئة للتسوية السياسية ومطالبة بعودة الحكم المدني، نظمتها لجان المقاومة الشعبية ضمن برنامج احتجاجات معلن من خمس تظاهرات رئيسية تتجه نحو القصر الرئاسي، ومظاهرات فرعية أخرى. وفي الأثناء ينعقد اجتماع مهم للمكتب التنفيذي لتحالف المعارضة الرئيس «قوى إعلان الحرية والتغيير»، لبحث قضايا إلحاق قوى سياسية جديدة بالاتفاق الإطاري مع الجيش، إضافة لوضع جداول زمنية لخطوات التوافق مع أصحاب المصلحة. وقالت لجان المقاومة السودانية في بيان الدعوة للمشاركة في المظاهرات أمس، إن هدف الاحتجاجات والمواكب هو «إسقاط التسوية السياسية مع الجيش»، وتعهدت بإقامة ما أطلقت عليه الواجب تجاه «شهداء الثورة» الممثل في الوصول لسلطة مدنية كاملة وبلوغ «دولة الحرية والسلام والعدالة».
واعتبرت لجان المقاومة مظاهرات أمس تمهيدية لموكب 19 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، والذي يتزامن مع ذكرى انطلاقة الثورة السودانية التي أطاحت حكومة الإسلاميين بقيادة الرئيس السابق عمر البشير في أبريل (نيسان) 2019.
واستخدمت قوات الشرطة الغاز المسيل للدموع بضراوة للحيلولة دون وصول المحتجين إلى القصر الرئاسي، واستطاعت تفريقهم عند محطة «شروني» الواقعة في محيط القصر الرئاسي، ولم ترد أي معلومات عن حدوث إصابات كبيرة بين المتظاهرين. وقالت الناشطة وداد درويش بحسب صفحتها على موقع التواصل «فيسبوك»، إن المظاهرة تأتي رفضاً لـ«أنصاف الحلول، وتجريب المجرب في اتفاق إطاري يضيع الوقت، بدلاً من إيجاد حل نهائي لتحقيق أهداف ثورة ديسمبر». ودعت لوضع خطة لإدارة الحكومة الانتقالية بمهام واضحة ومباشرة، لا تتضمن مشاركة العسكر بـ«مختلف مسميات وحداتهم، والأحزاب السياسية والنظام البائد»، وتابعت: «التصعيد السلمي واستخدام وسائل المقاومة تعبير سيستمر حتى سقوط كل المتسلقين وأصحاب الأغراض التي لا تخدم المصلحة العامة».
وخرجت المظاهرات في كل من الخرطوم وبحري وأم درمان وعدد من المدن السودانية الأخرى، وفي مدينة الدمازين حيث انطلق أول الاحتجاجات المطالبة برحيل البشير في 13 ديسمبر 2018، ومنها انتشرت في مدن البلاد الأخرى، نددت بالعملية السياسية وبالحكم العسكري. وعلمت «الشرق الأوسط» أن المجلس المركزي لتحالف «الحرية والتغيير» الذي يمثل الطرف الرئيسي في الاتفاقية الإطارية الموقعة مع الجيش، سيعقد اجتماعاً مهماً، للبت في طلبات الراغبين في توقيع الاتفاق الإطاري، ويبحث آجال ورش العمل والمؤتمرات المخصصة لمناقشة القضايا المؤجلة من الاتفاق الإطاري مع أصحاب المصلحة.
وينتظر أن تشمل المشاورات أسر الشهداء وضحايا الاحتجاجات ولجان المقاومة وقوى سياسية أخرى، للتشاور على موضوعات تفكيك نظام البشير، وإصلاح الأجهزة الأمنية والعسكرية، واتفاقية السلام الموقعة في جوبا، إضافة إلى مؤتمر يتناول قضايا شرق السودان الذي ينتظر أن يبحث بشكل مستقل.
وتناوئ لجان مقاومة وقوى سياسية من فوق رأسها أحزاب يسارية من بينها الحزب الشيوعي وحزب البعث العربي الاشتراكي، الاتفاقية الإطارية وتعتبرها «شرعنة للحكم العسكري» وتعمل على إسقاطها عبر ما تطلق عليه العمل الجماهيري السلمي والاحتجاجات، فيما تقول قوى الاتفاق الإطاري إن هذه القوى جزء من «قوى الثورة» ومكانها شاغر للالتحاق بالعملية السياسية. وكان كل من الحزب الشيوعي وحزب البعث، يمثلان عنصراً رئيساً في تحالف «الحرية والتغيير»، لكن الحزب الشيوعي خرج عنه إبان حكومة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك وأعلن السعي لإسقاطها، فيما يتمسك حزب البعث بعضويته في التحالف ويرفض في ذات الوقت توقيع الاتفاقية الإطارية.