دخلت قضية إيقاف رواتب الموظفين الحكوميين في اليمن والمقيدين بوصفهم نازحين مرحلة من التصعيد، مع تمسك الجانب الحكومي بقراره الذي يلزمهم الحضور مرة واحدة على الأقل في كل أسبوع إلى جهات أعمالهم في العاصمة المؤقتة عدن، فيما يواصل الموظفون رفض الإجراء ويطالبون بمنحهم جميع العلاوات والتسويات، وبدل السكن، وتمكينهم من العمل في المحافظات التي نزحوا إليها.
المئات من الموظفين كانوا تجمعوا أمام وزارة المالية وقصر «معاشيق» الرئاسي للمطالبة بإطلاق رواتبهم وتسوية أوضاعهم وظيفيا، فيما اتجهت مجموعة أخرى منهم لتحريك دعوى قضائية أمام المحكمة الإدارية لإبطال قرارات وزارة الخدمة المدنية، لكن القضية مرشحة للتصعيد مع تمسك كل طرف بمواقفه، وتأكيد الجانب الحكومي أن هناك من يتسلم رواتبه من الشرعية ويعمل لدى ميليشيات الحوثي.
ووفق بيانات وزارة الخدمة المدنية فإن هناك 21 ألف موظف مقيدون نازحين ويتسلمون رواتبهم شهريا من الحكومة، منذ ست سنوات، وأن بعضهم يعملون في الدوائر الحكومية الخاضعة لسيطرة ميليشيات الحوثي وفي خدمتها. لكن ملتقى الموظفين النازحين يقدم رؤية مختلفة وينفي هذه التهمة ويقول إن غالبية عظمى من هؤلاء الموظفين اضطروا للانتقال للعيش في مناطقهم الريفية الخاضعة لسيطرة الحكومة لأنه لم يتم استيعابهم في الجهات الحكومية في عدن ولأنهم غير قادرين على تحمل نفقات العيش في المدينة.
الملتقى وعلى لسان رئيسه محمد العزيزي ذكر أن غلاء المعيشة في عدن ورفض الحكومة منح الموظفين النازحين حقهم في التسويات والعلاوات أسوة بما حدث مع بقية موظفي الدولة، جعلا هؤلاء يختارون العودة إلى قراهم للعيش هناك، حيث إن تكاليف المعيشة أقل بكثير مما هي عليه في المدينة التي تتخذها الحكومة عاصمة مؤقتة للبلاد، واعتبر أن توجيهات الخدمة المدنية بضرورة حضورهم أسبوعيا لإثبات وجودهم، أمر غير مقدور عليه لأنه سيكلفهم الكثير في حين أن رواتبهم الشهرية لا تزيد على ستين دولارا.
الجانب الحكومي يؤكد من جهته أن الخطوة تأتي ضمن الإصلاحات التي اتخذت في جميع المجالات، وترشيد الإنفاق، حيث يتم صرف مبلغ يزيد على مليار ريال شهريا لموظفين يعمل عدد منهم ضد الشرعية ولصالح ميليشيات الحوثي.
ونبه اثنان من المسؤولين في وزارتي الخدمة المدنية والمالية اتصلت بهما «الشرق الأوسط» إلى أن هذه الخطوة اتخذت من السابق، وشملت العاملين في القضاء، وفي التعليم الجامعي، وفي قطاع الصحة، بعد أن منعت الميليشيات الحوثية تداول الطبعة الجديدة من العملة الوطنية وفرضت انقساما ماليا بين مناطق سيطرتها ومناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليا.
ومع تأكيد مسؤول ثالث بوجود من يعمل لدى سلطة الميليشيات ويتسلم راتبه من الحكومة الشرعية، فإنه أقر بأن الإجراء الذي اتخذ كان خطوة صعبة، بخاصة وأن غالبية الذين يتسلمون رواتب في قوائم النازحين رفضوا العمل لدى المؤسسات التي سيطرت عليها الميليشيات الحوثية.
ويضيف أن هذه الرواتب وبسبب الانقسام المالي لا يصل إلا نصفها للأشخاص الذين يعيشون في مناطق سيطرة الميليشيات، كما أقر بتدني المرتبات، وبأنها لا تكفي لاستئجار منزل متواضع في مدينة عدن، في حين أن الحكومة لا تمتلك الموارد الكافية كي تمنحهم التسويات والعلاوات وبدل السكن الذي منح لنظرائهم في الدوائر الحكومية.
ووفق ما كشفه المسؤول لـ«الشرق الأوسط» فإن هناك نحو 600 من العاملين في قطاع الإعلام وحده، ويتسلمون رواتبهم من الحكومة، ويرفضون بشكل قاطع العمل مع ميليشيات الحوثي، كما أن المؤسسات التي كانوا يعملون بها، مثل وزارة الإعلام والإذاعة والتلفزيون ووكالة «سبأ» ومؤسسة الثورة للصحافة وغيرها، لا تستطيع استيعابهم أو الاستفادة من قدراتهم، ولهذا التزموا منازلهم حتى في مناطق سيطرة الميليشيات، ورأى أن بالإمكان إيقاف رواتب من توجد حولهم شكوك بالعمل لصالح الميليشيات وليس إيقاف رواتب جميع الموظفين المقيدين نازحين.
وكان المحتجون وجهوا رسالة إلى مجلس القيادة الرئاسي طالبوا فيها بصرف مرتبات جميع الموظفين النازحين دون قيد أو شرط، والعمل على استيعابهم في جهات أعمالهم بالمحافظات النازحين إليها، وصرف حقوقهم من علاوات وتسويات وظيفية، وبدل انتقال وبدل سكن وحافز شهري لمواجهة متطلبات الحياة الصعبة.
كما طالبوا بتشكيل وحدة تنفيذية تهتم باستقبال الموظفين النازحين وصرف مرتباتهم أولاً بأول تتبع رئيس الحكومة ولها فروع في جميع المحافظات.