هاجم رئيس «مجلس الأمة» في الجزائر، صالح قوجيل، سفير فرنسا السابق لدى بلاده، غزافييه دريانكور، بسبب مقاله الذي توقع فيه «انهيار الجزائر»، مع احتمال أن يجر هذا الانهيار معه فرنسا أيضاً، كما تلقى سيلاً من الانتقادات من الصحافة الجزائرية، التي اتهمته بـ«العنصرية».
وقال قوجيل، أمس بمقر «مجلس الأمة» في العاصمة، مفسراً موقف الدبلوماسي الفرنسي المتقاعد حالياً، إن «تشاؤم بعض الناس الذين مارسوا مسؤوليات تخص بلادهم حول مستقبل الجزائر، يؤكد أن مخلفات الاستعمار وأفكار الاستعمار ما زالت موجودة»، من دون ذكر دريانكور بالاسم. وأشار إلى أن «الجزائر حافظت على استقلال قرارها السياسي، واستعادت مكانتها في المحافل الدولية، لكن يبدو أن هذا أقلق الأعداء وامتدادهم في الخارج». مضيفاً: «يجب أن يفهموا أننا تجاوزنا مرحلة الاستعمار، فجزائر اليوم ليست جزائر الأمس». ويشار إلى أن قوجيل يعد بحكم منصبه الرجل الثاني في الدولة، وفق الدستور.
وفي مقال مثير نشرته صحيفة «لو فيغارو» الفرنسية، أول من أمس، كتب دريانكور أن «الجزائر الجديدة، حسب الصيغة الشائعة بالجزائر، تنهار أمام أعيننا، وتجر معها فرنسا بوتيرة أكثر دراماتيكية من تلك التي وقعت عام 1958: الجمهورية الرابعة»، في إشارة إلى سقوط الجمهورية الرابعة ايام شارل ديغول، تحت تأثير ثورة الاستقلال الجزائرية.
وأضاف دريانكور أيضاً: «في باريس نغمض أعيننا عن الواقع الجزائري، نتظاهر بالاعتقاد بأن السلطة الجزائرية شرعية حتى وإن لم تكن ديمقراطية، وأن الخطاب المعادي للفرنسيين شر ضروري لكنه عابر، وأن الديمقراطية هي تدريب مهني يستغرق وقتاً». وبرأي دريانكور فإن «واقع الجزائر أسوأ بكثير مما يعتقده المراقبون، أو قلّة من الصحفيين، فهناك 45 مليون جزائري لديهم هاجس واحد فقط: المغادرة والفرار… الذهاب إلى أين إن لم يكن إلى فرنسا، حيث يملك كل جزائري عائلة؟ واليوم يتقدم عدد لا يحصى من الأشخاص للحصول على تأشيرة لغرض وحيد، هو القيام برحلة في اتجاه واحد، أي البقاء بطريقة أو بأخرى في فرنسا».
وقاد دريانكور المهام الدبلوماسية لبلاده في الجزائر مرتين: من 2008 إلى 2012، ومن 2017 إلى 2020، وله كتاب عن الجزائر بعنوان «اللغز الجزائري»، صدر في مارس (آذار) 2022.
بدورها، ردت صحيفة «الوطن» الفرنكفونية على السفير السابق، بقلم مديرها محمد الطاهر مسعودي، الذي قال إن الدبلوماسي السابق «لا يفسر كيف سيكون انهيار الجزائر، وخصوصاً كيف سيجر ذلك فرنسا إلى السقوط، وهي قوة اقتصادية كبيرة؟… الجزائر بعيدة جداً عن حالة الإفلاس، بفضل مداخيل بالعملة الصعبة بلغت مستويات تاريخية، سواء تعلق الأمر بتصدير المحروقات أو بتصدير المنتجات خارج المواد البتروكيماوية».
وحملت «الوطن» بشدة على دريانكور حينما وصفته بـ«عنصري تافه»، بسبب قوله إن 45 مليون جزائري يريدون الهجرة إلى فرنسا، على أساس أن الحريات منعدمة في بلادهم، حسب تعبيره.
من جانبها، عنونت صحيفة «ليكسبريسيون» مقالها عن المقال، بـ«هذيان دريانكور»، وقالت إن الدبلوماسي السبعيني «ينفث كرهه للجزائر لأنها لم تبسط له السجاد الأحمر خلال الفترتين اللتين قاد فيهما السفارة الفرنسية. فقد قضى وقته في جمع المعلومات السلبية عن الجزائر دولةً ومجتمعاً وطبقةً سياسيةً، وحول الاقتصاد».
كما ذكرت صحيفة «الشروق» أن «توقيت المقال وهدفه يطرحان أكثر من سؤال. ومن بين الأسئلة التي تبرز إلى الواجهة هنا: هل اقتنع دريانكور أن الرئيسين عبد المجيد تبون ونظيره الفرنسي نجحا في وضع قطار العلاقات الثنائية على السكة الصحيحة، وأن أطرافاً فرنسية نافذة لا تريد لهذه العلاقات أن تستقيم؟».
وبحسب الصحيفة ذاتها فإن «ما كتبه السفير السابق عن الجزائر لا يختلف عن الأفكار التي يتبناها ويدافع عنها اليمين الفرنسي، وذراعه الإعلامية (لو فيغارو)، وهي التوجهات التي لا تعتبر الاحتلال الفرنسي للجزائر جريمة ضد الإنسانية، كما يراها الرئيس ماكرون، بل ينتقدونه بشدة على هذا التصريح؛ لأنهم يؤمنون ظلماً بأن الاستعمار جلب الحضارة إلى الجزائر، حتى وهو الذي قتل من الجزائريين ما يناهز سبعة ملايين نسمة».