توسعت دائرة المعتقلين من ناشطين سياسيين، ومنتمين إلى قطاع رجال الأعمال، وسلكَي القضاء والأمن، ضمن حملة اعتقالات بتهمة «التآمر على أمن الدولة».
وقدَّرت مصادر حقوقية تونسية عدد المعتقلين بنحو 15 شخصاً، ورجحت «أن يزيد العدد» إثر الإعلان عن اعتقال كل من الطيب راشد، الرئيس السابق لمحكمة التعقيب، وبشير العكرمي، وكيل الجمهورية الأسبق، وهما من سلك القضاء.
وتوقعت المصادر نفسها أن تتسع دائرة التحقيق والاستماع للمتهمين، خلال الفترة المقبلة، ليتم التحقيق معهم وفق قانون مكافحة الإرهاب.
وطالب محامو الدفاع عن المعتقلين بمعرفة أماكن احتجازهم، بعد أكثر من 3 أيام من اعتقالهم من قبل أجهزة الأمن المختصة في مكافحة الإرهاب. وشملت حملة الاعتقالات الناشط السياسي خيام التركي، وعبد الحميد الجلاصي، القيادي السابق في حركة «النهضة»، وكمال لطيف، رجل الأعمال التونسي، بالإضافة إلى فوزي الفقيه، وهو أكبر مورِّد للقهوة (البن) في تونس، وسمير كمون، وهو أحد موردي الزيوت النباتية، والأخيران متهمان بـ«المضاربة والاحتكار»، وسامي الهيشري، المدير العام السابق للأمن الوطني.
وفي هذا الشأن، ربط عدد من المتابعين بين لقاء الرئيس التونسي قيس سعيد قبل أيام مع ليلى جفال وزيرة العدل التونسية، وتمسكه بـ«المحاسبة وضرورة اضطلاع القضاء التونسي بدوره خلال هذه المرحلة».
وكان الرئيس سعيد قد أشار إلى «ضرورة محاسبة كل من أجرم على قدم المساواة»؛ مشيراً إلى أنه «من غير المعقول أن يبقى خارج دائرة المحاسبة مَن له ملف ينطق بإدانته قبل نطق المحاكم. فالأدلة ثابتة وليست مجرد قرائن» على حد تعبيره.
وتتم متابعة المتهمين بمقتضى قانون الإرهاب. وفي هذا الشأن، يقول الخبير القانوني عبد الستار المسعودي: «إن الأمر يختلف بين القضايا الإرهابية والقضايا العادية، إذ إن مدة الإيقاف التحفظي حددها قانون الإرهاب بخمسة أيام يمكن تجديدها لمرتين وبالمدة نفسها (15 يوماً على أقصى حد) وهو ما يعني أن المحامي في القضية الإرهابية لا يمكنه حضور أعمال المحقق ومقابلة المشتبه فيه، إلا بعد 48 ساعة من تاريخ بداية التوقيف. وهذه المدة تختصر إلى 24 ساعة بالنسبة إلى القضايا العادية».
ويضيف المسعودي: «إنه بانتهاء أجل المنع، يحق للمحامي مقابلة منوبه على انفراد لمدة نصف ساعة وقبل الاستنطاق، وبعد أن يطلع على ملف القضية ومراقبة إجراءات البحث التي أنجزت في الساعات الثماني والأربعين السابقة».
وكشف المسعودي عن سر الانطلاق في البحث يوم عطلة (السبت) مؤكداً: «إن المحقق بثكنة الحرس في تونس سينتفع بالسبت والأحد (48 ساعة) ويشتغل فيها ليلاً ونهاراً وعلى قدم وساق، لتكييف القضية وجمع المعلومات والأدلة، وتنفيذ التعليمات الصادرة عن النيابة العامة، على اعتبار أن القضية مصنفة إرهابية، وتخضع في آجالها لقانون الإرهاب».
وعبَّرت عدة منظمات وأحزاب سياسية عن خشيتها من «عدم احترام الإجراءات القانونية، والتستر وراء تهم فضفاضة على غرار التآمر ضد أمن الدولة، لتخليص سعيد من منافسيه السياسيين».
وفي هذا السياق، أدانت «الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات» (منظمة حقوقية مستقلة) ما اعتبرته: «اعتقالاً يتعرض له المعارضون السياسيون، ما داموا يمارسون حقهم في الاختلاف في إطار سلمي». واستنكرت «طريقة الاعتقال والإيقافات التي تتسم بالتخويف والترهيب، وتمس بحرمة مساكنهم وعائلاتهم وذويهم».
وعبَّر ناجي جلول، رئيس حزب «الائتلاف» المعارض، عن صدمته «جراء ردود أفعال التونسيين» على حملة الإيقافات التي حصلت السبت الماضي، معتبراً أن هذه الحملة: «أججت نعرات تشفٍّ وكراهية على صفحات التواصل، ما أصاب الطبقة السياسية بالصدمة والذهول لما أصبح عليه مجتمع تناسى قاعدة: أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته». وأكد رفضه لما سماها «المحاكمات الفيسبوكية».
ومن ناحيتها، أكدت هيئة الدفاع عن القيادي السابق في حركة «النهضة» عبد الحميد الجلاصي، أنّ عملية إيقافه «صاحبتها انتهاكات عديدة، من بينها اقتحام منزله من دون توجيه أي استدعاء سابق أو تبيان أي سبب للمداهمة، فضلاً عن الاحتجاز التعسفي لحاسوب زوجته المتضمن معطيات عملها وأبحاثها، ونصّ أطروحتها الجامعيّة».
وكان المحامي سمير ديلو قد أكد منع التواصل مع المتهمين: خيّام التركي، وكمال اللطيّف، وعبد الحميد الجلاصي، موضحاً أن «مساعد وكيل الجمهوريّة بالمحكمة الابتدائية بتونس، رفض تقديم أي معلومة، متعلّلاً بأنّ الملفّ: ليس من صلاحياته».
ويذكر أن النيابة العامة أطلقت سراح دبلوماسي تونسي سابق بعد التحقيق معه مساء الأحد. وقد شملت التحقيقات الأولية أكثر من 15 شخصاً، من بينهم قيادات أمنية سابقة، ومتقاعد من الجيش التونسي، وقضاة، ورجال أعمال.
من جهته؛ قال حزب «الوطنيين الديمقراطيين الموحّد» إنه «يثمن المجهودات الجبارة لهيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد براهمي، وتصديها لكلّ محاولات قضاء التحالف الطبقي الحاكم بقيادة (حركة النهضة)، تفكيك ملف الاغتيالات السياسية، وطمس الحقيقة طيلة عشريّة كاملة».
وعدّ الحزب «إلقاء القبض على بشير العكرمي، وكيل الجمهورية سابقاً، بداية لمحاسبة كلّ المتلاعبين باستقلالية القضاء وملفّات الاغتيالات السياسية، وملفات التسفير، والإرهاب الذي طال الأمنيين والعسكريين والمدنيين». وجدد دعوة القضاء التونسي إلى «ملاحقة كلّ المتورطين في جرائم الاغتيالات السياسيّة، والأطراف المتستّرة عليهم، من أجل تكريس الاستقلالية الحقيقيّة للقضاء وإنقاذ المسار الثوري الذي استشهد من أجله الشهيدان شكري بلعيد ومحمد براهمي».