تُعرف الأمعاء باسم «الدماغ الثاني (second brain)» للإنسان»؛ وذلك لأنها تنتج كثيراً من الناقلات العصبية نفسها؛ أي المواد الكيميائية التي تطلقها الأعصاب والتي تعدّ ضرورية للتواصل بين الأعصاب والأنسجة الأخرى. كما ترتبط الأمعاء والدماغ أيضاً من خلال «المحور الدماغي – المعوي (gut – brain axis)» الذي يوصل الإشارات الكيميائية البيولوجية بين الجهاز الهضمي من جهة؛ والجهاز العصبي المركز من جهة أخرى.
الأمعاء والقلب
ولكن ماذا عن الأمعاء والقلب؟ هل هناك اتصال مماثل بينهما؟
تشير الأبحاث إلى أنه قد يكون هناك رابط بالفعل بين الأمعاء والقلب، ولكنه يتحرك في اتجاه واحد: من القناة الهضمية إلى القلب، موضحة أن الحفاظ على صحة الأمعاء يمكن أن يكون وسيلة أخرى للحماية من أمراض القلب. الأمعاء هي الموطن الأساسي لتريليونات الميكروبات، والمعروفة مجتمعة باسم «الميكروبيوتا (microbiota)» البشرية، حيث تساعد هذه الميكروبات في عملية الهضم، فضلاً عن تكوين بعض العناصر الغذائية، وإطلاق مواد أخرى لها تأثيرات صحية واسعة النطاق.
ويقول الدكتور ستانلي شو، طبيب القلب في «مستشفى بريغهام والنساء»: «هناك تفاعل معقد يحدث بين الميكروبات الموجودة في الأمعاء ومعظم الأجهزة في الجسم؛ بما في ذلك الأوعية الدموية والجهاز العصبي والغدد الصماء والجهاز المناعي، والتي تعدّ كلها مرتبطة بصحة القلب والأوعية الدموية». ونظراً إلى أن النظام الغذائي للإنسان يلعب دوراً مهماً في تكوين ميكروبات الأمعاء، فإن الغذاء الذي يصل إلى الأمعاء يمكن أن يؤثر بالتالي على صحة القلب؛ سواء بشكل إيجابي وسلبي.
ومن بين الطرق التي قد تؤثر بها الأمعاء على صحة القلب طريق «المُستَقلِبات (metabolites)»، وهي المواد التي تفرزها ميكروبيوتا الأمعاء عند تفكيكها الطعام، حيث يتشكل مستقلب معين وهو «ثلاثي ميثيل أمين trimethylamine (TMA)» عندما تتغذى ميكروبات الأمعاء على مادة الكولين، وهي مادة موجودة في اللحوم الحمراء والأسماك والدواجن والبيض، ويجري تحويل «ثلاثي ميثيل أمين (TMA)» داخل الكبد إلى «أكسيد ثلاثي ميثيل أمين (TMAO)»، وهي مادة مرتبطة بقوة بمرض انسداد الشريان. وأظهرت الأبحاث أن الأشخاص الذين لديهم مستويات عالية من «أكسيد ثلاثي ميثيل أمين (TMAO)» في دمهم أكثر عرضة للإصابة بالنوبات القلبية أو السكتات الدماغية من أولئك الذين لديهم مستويات أقل.
ونظراً إلى أن اللحوم الحمراء هي المصدر الرئيسي لمادة «ثلاثي ميثيل أمين (TMA)»، فإن التقليل من تناولها يمكن أن يساعد في منع الأمعاء من إنتاج كثير من «أكسيد ثلاثي ميثيل أمين (TMAO)». ووجدت دراسة في عدد سبتمبر (أيلول) 2022 من «مجلة تصلب الشرايين والتخثر وبيولوجيا الأوعية الدموية»، التي تصدرها «جمعية القلب الأميركية»، أن من بين نحو 4 آلاف شخص بعمر 65 سنة فما فوق، فإن أولئك الذين تناولوا 1.1 حصة من اللحوم الحمراء يومياً كانوا أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب بنسبة 22 في المائة، مقارنة مع أولئك الذين تناولوا كميات أقل.
وأشار الباحثون إلى أن نحو 10 في المائة من هذا الخطر الإضافي يمكن أن يُعزى إلى زيادة مستويات «أكسيد ثلاثي ميثيل أمين (TMAO)».
ألياف وأغذية داعمة
> دور الألياف: من جهتها؛ تساعد الألياف في دعم القناة الهضمية؛ وبالتالي دعم صحة القلب، ووفقاً لبعض التقديرات، فإن اتباع الأنظمة الغذائية الغنية بالألياف يمكن أن يقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية بنسبة تصل إلى 30 في المائة، حيث تعمل الألياف الموجودة في الأمعاء الدقيقة على تقليل امتصاص الكوليسترول الضار، مما يؤدي إلى خفض مستوياته في الدم.
كما تساعد ميكروبيوتا الأمعاء أيضاً على خفض مستوى الكوليسترول في الدم؛ حيث يجري تكسير الألياف بواسطة البكتيريا الموجودة في القولون لتكوين أحماض دهنية قصيرة السلسلة.
وتتفاعل هذه المركبات مع مستقبلات محددة في الخلايا، والتي تعمل على تنظيم مستوى ضغط الدم، والتحكم بشكل أفضل في نسبة السكر في الدم، ووزن الجسم لدى مرضى السكري، وتقليل الالتهابات… وهي كلها أمور تعمل على تحسين صحة القلب.
> أغذية داعمة أخرى: من غير الواضح ما إذا كان تناول الأطعمة الأخرى التي تعمل على تحسين ميكروبيوتا الأمعاء؛ على سبيل المثال «البروبيوتيك (probiotics)» وهي البكتيريا المفيدة الموجودة في لبن الزبادي، والأطعمة المخمرة (مثل مخلل الملفوف الألماني «sauerkraut»، وصلصة «الميزو» اليابانية «miso» من معجون فول الصويا، و«التمبي tempeh» وهو طعام إندونيسي تقليدي يجري صنعه عن طريق طبخ فول الصويا وتخميره جزئياً عبر نوع من العفن)، يمكن أن يدعم صحة القلب أيضاً. ولعل النصيحة الفضلى لمساعدة الأمعاء على تحسين صحة القلب هي اتباع نظام غذائي نباتي مثل نظام البحر الأبيض المتوسط أو أنماط الأكل المماثلة.
ويقول الدكتور شو: «مثل هذه النظم الغذائية تتضمن الحد من تناول اللحوم الحمراء، وتناول كثير من الفواكه والخضراوات والحبوب الكاملة الغنية بالألياف، وهي المواد التي يمكن أن تكون لها تأثيرات إيجابية على القناة الهضمية، ففي حال كانت أمعاؤك بصحة جيدة، فهناك فرصة أكبر لأن يكون قلبك بصحة جيدة أيضاً».
* «رسالة هارفارد – مراقبة صحة الرجل»
– خدمات «تريبيون ميديا»