حادثتان مختلفتان لخصتا المشهد برمته بالخرطوم، حيث تسببت حرب الجنرالين بقطع شريان الحياة عن السودانيين، بعد مضي 25 يوماً على نشوب الاقتتال الدامي بين الجيش والدعم السريع. ففي الحادثة الأولى اضطر مواطنون في حي العمارات بوسط الخرطوم لحمل جثمان أحد الموتى من هناك لحي السلمة جنوبي الخرطوم لسوء الأحوال الأمنية وعدم توفر الماء لغسل الجنازة. فيما أظهرت الحادثة الثانية غبطة صاخبة لمواطني منطقة الكلاكلة جنوبي الخرطوم لعودة التيار الكهربائي بعد انقطاع لأيام، حسب ما وثق مقطع فيديو بوضوح.
ضاقت واستحكمت حلقاتها
فبعد مضي 25 يوماً على اندلاع الحرب الطاحنة لا يمر يوم واحد دون ظهور أزمة جديدة، فقد ضاقت واستحكمت حلقاتها على السودانيين، دون بارقة أمل تلوح بالأفق.
فأزمة العطش لا تزال مستوطنة كالفأل السيئ في أحياء سكنية كاملة بالخرطوم لانقطاع مياه الشرب عنها بصورة تامة منذ اليوم الأول لبدء الاقتتال، وزادت وطأة الأزمة بقطع خدمات الكهرباء أيضاً، حيث ارتفعت الشكاوى من انقطاع التيار الكهربائي عن أجزاء واسعة بالخرطوم لعدة أيام. وتعد محطة مياه الخرطوم بحري ذات أهمية كبرى، حيث تغطي أجزاء واسعة بالخرطوم، ابتداءً بكل الأحياء السكنية بالخرطوم بحري حتى الدروشاب شمالاً، بالإضافة لأحياء العزبة وكافوري وكوبر، حتى شارع واحد بمنطقة شرق النيل. كما تشمل أم درمان عن طريق محطة بيت المال وأحياء الصحافة وبري بالخرطوم عن طريق عابر لكوبري كوبر. وتوقفت هذه المحطة منذ اليوم الأول لبدء الاقتتال.
في هذه الأثناء بدأت أزمة الغذاء تطل برأسها وسط مخاوف شديدة من تصاعد الأزمة بسبب تناقص مخزون الأغذية لدى الأسر وتعرض مستودعات ومخازن مصانع وشركات الأغذية الكبرى بالأسواق والمناطق الصناعية بالعاصمة للنهب والحرق، بالإضافة لإغلاق الغالبية العظمى من الأسواق والمحال التجارية المتبقية لأبوابها، خوفاً على حياتهم وممتلكاتهم جراء احتدام المعارك والقصف المتبادل، وتفشي جرائم السلب والنهب.
أحد مواطني الخرطوم بحري قال لـ"العربية.نت" تعليقاً على تردي خدمات الماء والكهرباء والدواء وحتى الاتصالات والإنترنت بالمدينة: "باختصار شديد لا يوجد أي شيء بخير، فحيثما توجهت تصطدم بأزمة. أما المصيبة الكبرى هي أن المدينة تحولت لمنطقة عمليات، فيما صارت أحياء الأملاك، شمبات، الصافية، كافوري، الصبابي، وحلة حمد وغيرها ساحة قتال مفتوح بين الجيش والدعم السريع، الذي لجأ لاستخدام المواطنين كدروع بشرية لاتقاء ضربات الطيران الحربي "، حسب زعمه.
نداء بالمساجد لصد اللصوص
في المقابل، ذكر أحد مواطني حي الختمية بالخرطوم بحري لـ"العربية.نت" أنهم اضطروا لهجر منزلهم والتوجه لبعض أقاربهم بحي السامراب بالاتجاه الشمالي للعاصمة بحثاً عن الأمان وقال: "الحمد لله الأوضاع أفضل بكثير هنا، فالكهرباء والمياه مستقرة، إلا أن خدمات الاتصالات تمثل معاناة حقيقية، فالخدمات مقطوعة عن مستخدمي شركة "سوداني" وشركة" أم تي أن"، أما خدمات شركة "زين" فضعيفة للغاية منذ ثلاثة أيام وتكاد تكون غير متوفرة". وتابع: "أما الأدوية والعقاقير الطبية فهناك عدة صيدليات مفتوحة، لكنك لا تجد بها كل الأدوية. أما الغذاء فمتوفر إلى حد ما، فيما بدأ سوق السامراب في العودة تدريجياً".
دخان المعارك فوق الخرطوم
أما بخصوص جرائم السلب والنهب فيؤكد محدثنا أن "شباب الحي يجوبون الشوارع، كما يجتمعون أمام المتاجر وهم يحملون العصي لصد هجمات اللصوص المحتملة، كما يرفع النداء عبر مكبرات الصوت بالمساجد للاستعداد عند ظهور بوادر نهب أو سرقة".
في السياق نفسه، قال محمد عبد الماجد لـ"العربية.نت" إن منطقة مربع 10 بالحاج يوسف، الواقعة بالاتجاه الشرقي للعاصمة السودانية، قليلة الشكوى من قطع الكهرباء والمياه، إلا أن المتاجر هناك مغلقة، ورفوفها تخلو من المواد الغذائية، والمخابز بها ازدحام شديد وصراعات للحصول على الخبز. وأضاف: "هناك غلاء فاحش ولا توجد أي مصادر للدخل، وحقيقة لا أعرف كيف يعيش الناس!".
أما بالنسبة للحالة الأمنية فقال "كل شخص مسؤول عن حماية نفسه وأسرته وممتلكاته في ظل غياب الشرطة وانتشار السرقة والنهب". وتابع: "في مناطق أخرى بالعاصمة سمعت أن هناك تعديا على المواطنين، وهناك شكاوى من وقوع اعتداءات متكررة عليهم بالطرقات وسرقة للعربات والموبايلات، كما هناك جهات تطالبك بفتح تطبيقات خدمات التحويل المصرفية الفورية وتجبرك على تحويل أموال تحت تهديد السلاح، إن وجدوا أموالاً في حسابك المصرفي".
انعدام الخدمات الصحية
من جهتها، أكدت الدكتورة أسماء جمعة لـ"العربية.نت" أن "خدمات الماء والكهرباء مستقرة لحد كبير في أحياء الموردة، العباسية، العرضة، التعويضات بمدينة أم درمان القديمة، في المقابل الخدمات الصحية انعدمت تماماً، فالمستشفيات العاملة اقتصرت خدماتها على بعض خدمات الطوارئ، وهناك معاناة في الوصول إلى أية صيدلية، فالغالبية العظمى أبوابها موصدة. أما المخابز العاملة فتشهد اكتظاظاً شديداً، والسلع والمواد الغذائية متوفرة لحد ما، لكن الأسعار ارتفعت بطريقة خرافية. أيضا هناك تردٍّ مريع للوضع البيئي، فيما تحولت الشوارع الرئيسية إلى مكب كبير للنفايات المتكدسة على مساحات شاسعة، والمقلق في الأمر أن الجهات المسؤولة – إن وجدت – تتعامل مع هذه الكارثة كأمر طبيعي".
وختمت الدكتورة أسماء حديثها لـ"العربية.نت" قائلةً: "لكن بصفة عامة يمكن أن نقول إن الوضع وصل لأقصى درجات التحمل، وإذا استمرت الحرب – لا قدر الله – فالأمور يمكن أن تنقلب 180 درجة باتجاه الأسوأ".