الذكرى السنوية السادسة لرحيل جلال طالباني
غياب جلال طالباني في المشهد أثر سلبا على التجربة العراقية
بغداد تستذكر سنوية رحيل صمام الأمان “جلال طالباني”
حضر جمع غفير من الزعماء والروؤساء والسفراء والبعثات الدبلوماسية والشخصيات السياسية المعروفة، في مراسيم إحياء الذكرى السادسة لرحيل الرئيس العراقي الأسبق والزعيم جلال طالباني في العاصمة بغداد، والذي تجمع الأطراف والأحزاب السياسية على وصفه بصمام أمان العراق.
وقد شهدت المراسيم هذا العام فعاليات تحت عنوان “الملتقى الوطني الأول لرحيل الرئيس جلال طالباني” مشاركة واسعة للسياسيين والمسؤولين الحكوميين باشراف مباشر من قبل رئيس الجمهورية عبداللطيف رشيد حيث يتم عرض فيلم وثائقي عن مسيرة الرئيس مام جلال.
إلى جانب الاهتمام بالسياسة كان جلال طالباني رجلا مثقفا دائم القراءة وهو معجب بالكاتب المصري محمد حسنين هيكل، وأن له مكتبة كبيرة تضم كتبا نادرة في مجالات التأريخ والسياسة والاجتماع والتراث والفلسفة .
جلال طالباني أول رئيس كردي يتسنم منصب رئاسة الجمهورية في تأريخ العراق، يعدّ شخصية قيادية كردية كبيرة ومثيرة للجدل، وتعكس الأحداث التي وقعت في العراق خلال نصف القرن المنصرم.
جلال طالباني قد ساهم في تأسيس النظام الفيدرالي ولم شمل العراقيين
قد ساهم جلال طالباني الذي كان يتمتع بشخصية كاريزمية وشعبية واسعة يُعرف بـ”مام ” اي “العم جلال” قد ساهم في رسم مستقبل العراق السياسي والاجتماعي من حلف بغداد إلى تشكيل الأحزاب السياسية الكردية والعربية، كما خاض عدة مرات في مفاوضات شاقة مع النظام البعثي لإقناع صدام حسين في تغيير نهجه تجاه القضية الكردية والانفتاح السياسي في العراق، كان جلال طالباني يتميز بعلاقات سياسية ودبلوماسية واسعة على مستوى العراق والدول الإقليمية والغربية.
بدأ اهتمام جلال طالباني بالسياسة مبكرا منذ أن كان طالبا في الصف الخامس الابتدائي ، إذ شكلت 1947 بداية للعمل السياسي المنظم لديه حين أصبح عضوا فعالا في صفوف الحزب الديمقراطي الكردستاني “البارتي”، برئاسة الملا مصطفى البارزاني، وفي العام 1951 انتخب عضوا في اللجنة المركزية.
ولد جلال طالباني في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 1933 في قرية كلكان على سفح جبل كوسرت المطلة على بحيرة دوكان في محافظة السليمانية ، ويُعرف في صفوف الأكراد باسم مام جلال “العم جلال”، أطلقت عليه هذه التسمية منذ أن كان صغيرا، وانتقل إلى مدينة كويسنجق لاستكمال الدراسة الابتدائية والثانوية.
دخل كلية الحقوق في بغداد عام 1953 لكنه اضطر لترك الدراسة حينما كان في السنة الرابعة عام 1956 هربا من الاعتقال بسبب نشاطه في اتحاد الطلبة الكردستاني.
وفي يوليو/تموز 1958، وعقب الإطاحة بالنظام الملكي، عاد طالباني إلى كلية الحقوق وتابع عمله صحفيا ومحررا في المجلات والصحف الكردية، وبعد تخرجه عام 1959 استدعي لتأدية الخدمة العسكرية في الجيش العراقي حيث خدم في وحدتي المدفعية والمدرعات، وكان قائدا لوحدة دبابات.
التجربة السياسية
أصبح عضوا في الحزب الديمقراطي الكردي عام 1947، وتميز بنشاطه وكفاءته في أداء الواجبات والمهمات الحزبية التي كان مكلفا بها، وعندما اندلع التمرد الكردي ضد حكومة عبد الكريم قاسم في سبتمبر/أيلول 1961 كان الطالباني مسؤولا عن جبهتي القتال في كركوك والسليمانية.
وفي منتصف الستينيات، تولى عددا من المهام الدبلوماسية التي مثل فيها القيادة الكردية في اجتماعات في أوروبا والشرق الأوسط. وعندما انشق الحزب الديمقراطي الكردستاني عام 1964 كان الطالباني عضوا في مجموعة المكتب السياسي التي انفصلت عن قيادة الملا مصطفى بارزاني.
وبعد الانتكاسة الكردية التي منيت بالثورة الكردية عام 1974 قد أسس جلال طالباني مع مجموعة من رفاقه القدمى والمناضلين في أحد مقاهي العاصمة السورية دمشق حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، منذ ذلك الحين سمي بحامل راية القضية الكردية والمسيرة الديمقراطية في العراق.
وفي عام 1976 بدأ تنظيم المعارضة المسلحة داخل العراق، وخلال الثمانينيات قاد المعارضة الكردية للحكومة العراقية من قواعد داخل العراق إلى أن قام صدام حسين بحملته العسكرية المسماة بالأنفال لسحق هذه المعارضة في 1988.
بعد ذلك سعى الطالباني إلى إيجاد تسوية تفاوضية للتغلب على المشاكل التي اجتاحت الحكومة الكردية، بالإضافة إلى القضية الأكبر وهي حقوق الأكراد في محيط المنطقة الحالية. وقد استفاد هو وزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني من خسارة الجيش العراقي في حرب الخليج الثانية عام 1991 بإقامة إقليم كردي شبه مستقل في كردستان العراق.
وبدأت حقبة جديدة في حياة الطالباني السياسية بعد حرب الخليج الثانية وانتفاضة الأكراد في الشمال ضد الحكومة العراقية. ومهّد إعلان التحالف الغربي عن منطقة حظر الطيران -شكلّت ملاذا للأكراد- لبداية تقارب بين الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني.
ونظمت انتخابات في إقليم كردستان في شمال العراق، وتشكلت عام 1992 إدارة مشتركة للحزبين. غير أن التوتر بين أقوى فصيلين سياسيين في كردستان العراق أدى إلى مواجهة عسكرية بينهما عام 1996.
وبعد سقوط النظام العراقي عام 2003، كان لطالباني أدوارا عديدة أداها بدءا بتوحيد صفوف المعارضة العراقية خارج البلاد، وفي عام 2005 انتخب جلال طالباني رئيسا للعراق وأعيد انتخابه لولاية ثانية 2010.
عاني طالباني في السنوات الأخيرة من حياته من مشاكل صحية، حيث أدخل إلى مدينة الحسين الطبية في الأردن في 25 فبراير/شباط 2007 بعد وعكة صحية أصابته، وأجريت له عملية جراحية للقلب في الولايات المتحدة في أغسطس/آب 2008، وفي نهاية عام 2012 غادر العراق للعلاج في ألمانيا من جلطة أصيب بها ودخل على إثرها في غيبوبة، ومكث هناك نحو عام ونصف حتى عاد للعراق في يوليو/تموز 2014.
توفي الطالباني يوم الثلاثاء 03 أكتوبر/تشرين الأول 2017 عن عمر ناهز 84 عاما، في أحد مستشفيات ألمانيا، وذلك بعد نحو عشر سنوات من المعاناة مع المرض، وبعد رحلات علاجية قادته إلى الولايات المتحدة وألمانيا.
بقلم الكاتب والصحفي : بزورك محمد
السليمانية
