بقلم / سيد مهدى عنبة
فى شهر يوليو 2018 يكون قد مر مائة عام على ميلاد الشيخ إمام محمد أحمد عيسى الشهير بـ “الشيخ إمام”، ذلك الفنان الضرير الذى أدى دوره نحو وطنه بما يفوق كثير من المبصرين. وفى رأى المتواضع فإن الشيخ إمام يجسد صلابة وعناد الشعب المصرى فى مواجهة عثرات الزمان، فلم يمنعه فقدا البصر – منذ الشهر الثانى لولادته – من أن يكون مواطناَ فاعلاَ فى الحياة ، وأن يتخذ لنفسه أسلوبه الخاص فى التلحين والغناء منطلقاَ من أرضيته الدينية الخصبة، حتى أصبح رائدأَ لما يمكن أن نسميه موسيقى الرأى وغناء الرأى.
وبهذه المناسبة أقدم نبذة مختصرة عن هذا الفنان للتعريف به للشباب الذى لا يعرف عنه الكثير؛ نتيجة للتعتيم على ابداعه الذى لازم الرجل فى حياته ومازال حتى بعد وفاته. وفى هذا الصدد ألقى بعض الضوء على الجوانب التى تكوّن شخصية الشيخ إمام الفنية، وفى هذا المجال نستطيع أن نقول:
أولا: هو قارئ للقرآن الكريم بقراءاته السبع ومنشد دينى رفيع المستوى، جالس وتعلم على أيدى فطاحل المنشدين والموسيقيين أمثال الشيخ على محمود والشيخ محمود صبح والشيخ زكريا أحمد وغيرهم.
ثانيا: هو موسيقى تعلم المقامات الموسيقية على يد أستاذه الشيخ درويش الحريرى، الذى احتضنه وراعاه لمدة تقترب من عشرين عاماَ، ثم تعلم وأجاد العزف على العود وأبدع من الألحان – عدداً وقيمةً- ما يضعه فى مصاف كبار الملحنين، كما أنه أضاف إلى فن التلحين الكاريكاتيرى وأيضا التلحين التراثى إضافات واضحة، ناهيك عن أنه تميز بقدرة هائلة على مسرحة الكلمات وأدائها بشكل يجعلها مجسدة المعنى تماما.
ثالثا: هو أحد مكوني”الكيان الفنى” إمام / نجم ، هذا الكيان الفنى الذى ساهم بقدر كبير- فى إطار مناخ ثقافى آنذاك- فى إنقـاذ الوجـدان المصـرى والعربى من هزيمة تفـوق الهزيمة العسكرية عام 1967 ذاتها، وعليه فإن الحديث عن إبداعات الشيخ إمام يأخذنا إلى طرح ونتاج هذا الكيان الفنى المتفرد، الذى بدأ مشواره فى صيف عام 1962 وذلك بأغان عاطفية مثل: أنا أتوب عن حبك أنا -عشق الصبايا – ساعة العصارى، وفى إطار هذا المشوار الفنى أضيف لهذه النوعية من الأغانى نوع آخر له بُعد اجتماعى مثل: على حسب وداد جلبى – شعبان البقال وأبوك السقا مات وغيرها.
استمر الحال على هذه النوعية من الأغانى حتى يونيو67 حيث الهزيمة العسكرية غير المتوقعة – على الأقل بهذا الشكل – فأحدثت جرحا عميقا فى نفوس المواطنين وفى مقدمتهم صانعو الابداع بأشكاله المختلفة، وانفجر بركان غضب الكيان الفنى فكتب نجم وغنى إمام بجسارة غير مألوفة فى ذلك الوقت، وأصبح الشيخ إمام – بكلمات نجم – هو الناطق الرسمى باسم الشعب المصرى بل والعربى للتعبير عن رفضهم للهزيمة ومحاسبة المسئولين عنها والدعوة للمقاومة. كانت أولى هـذه الأغانى بقـرة حاحا والتى ظهرت بعد التأكد من وقـوع الهزيمة مبـاشرةَ و الحمد لله خبطنا تحت بطاطنا – رسالة – الجدع جدع – صبر أيوب وغيرها من الأغانى التى امتزج فيها الألم لما حدث بالأمل فى الانتصار واستعادة الأرض والثار من العدو.
فى مايو 1969 تم اعتقال كل من الشاعر أحمد فؤاد نجم ثم الشيخ إمام بتهمة الإساءة لرئيس الجمهورية ، واسمرت فترة السجن حتى نهاية عام 1971، وخلال هذه الفترة لم ينقطع الإبداع، فكتب نجم ولحن وغنى إمام مجموعة كبيرة من الأغانى
التى تدعو إلى الصمود ورفض الهزيمة ،واستمرت مسيرة العطاء بعد الخروج من السجن، فى نفس الخط النضالى وعليه يمكن القول بأنهما استطاعا أن يقولا ما يجب أن يقال وفى الوقت المناسب تماما، ودفعا فى سبيل ذلك ثماناَ غالياَ عرفه القاصى والدانى، ولم تنفع معهما سياسة العصا والجزرة، ولا سياسة الاحتواء.وهكذ، كان موقفهما النضالى الجسور سراجاَ وهاجاَ وسط الضلمة، حيث قدما الكلمة ” الصاحية النوارة” التى هى “مشرط” الجراح أحياناَ، و”بلسم” الطبيب فى أحيان أخرى ، وكلاهما ضرورى فى مسيرة الحياة.
ولم يقتصر ابداع هذا الكيان الفنى على التماس مع القضايا الوطنية المصرية فقط، بل تعداه إلى قضايا أخرى عربية وعالمية. ومثال على ذلك الأغانى التى تمس القضية الفلسطينية وأغنية صرخة جيفارا رثاءَ للمناضل والثائر العالمى أرنستو جيفارا- وأغنية هوشى منه تحية لنضال الزعيم الفيتنامى الكبير.
ورداَ على سياسة الانفتاح الاقتصادى فى االسبعينيات قدما مجموعة أعان تحت اسم صندوق الدنيا تشمل 9 أغانى بها نقد لاذع لهذه السياسة بالإضافة لأغنية بوتيكات النات الشهيرة.
هذا بالإضافة إلى غناء الشيخ إمام لمجموعة من الأغانى التى تعلى من القيم الإنسانية والوطنية، كتبها شعراء كبار آخرون مثل : فؤاد قاعود – نجيب سرور ـ زين العابدين فؤاد – نجيب شهاب الدين – محمود الشاذلى- محمود الطويل وأخيرا فرغلى العربى وغيرهم، ناهيك عن مجموعة من الشعراء العرب.
وبناءَ على ما سبق فان المتأمل فى أغانى الشيخ إمام بعد ترتيبها ترتيبا زمنيا يجد أنها تمثل دفتر أحوال الوطن فى فترة هامة من تاريخ أمتنا، ومن هنا تكمن قيمة الابداع التنويرى الذى قدمه ذلك الفنـان الكبير.
وآمل أن تنال هذه المئوية اهتمام الأجهزة المعنية بوزارة الثقافة، وهنا أقترح إصدار كتاب يحتوى على النوتة الموسيقية والتحليل الموسيقى لأهم الألحان التى ابتدعها الشيخ بالإضافة إلى تناول حياته ومسيرتة الفنية. وأن يتم عمل احتفالية بهذه المناسبة بإحدى صالات دار الأوبرا المصرية. وفى هذا الصدد تعلن “جمعية محبى الشيخ إمام للفنون والآداب” استعدادها للمساهمة العملية فى هذه الاحتفالية فى حال تبنيها من قبل وزارة الثقافة.
سيد مهدى عنبة
مؤسس جمعية محبى الشيخ