قبل نحو أسبوعين، أظهر مقطع فيديو انتشر عبر منصات التواصل الاجتماعي، مجموعة من الشباب وهم يرقصون داخل وخارج سيارة «بيجو»، ذلك النوع من السيارات المصنوع في إيران، التي شاع انتشارها في السنوات الأخيرة في بغداد ومحافظات وسط وجنوب البلاد. وبدا واضحاً خلال الفيديو أن الدبكة التي يقوم بها الشباب أحدثت أضراراً بسقف السيارة وصندوقها الخلفي، وهو أمر متوقع وطبيعي؛ لكن الأمر غير الطبيعي هو رد مالك السيارة الشاب هو الآخر، حين يسأله أحدهم عن سبب قيام الشباب بذلك، إذ قال ضاحكاً: «هذه سيارة إيرانية، لا أريدها بعد اليوم».
الحادث يشير بما لا يقبل الشك إلى حجم النقمة الشعبية التي أججتها الاحتجاجات العراقية التي انطلقت مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وما زالت آخذة في التصاعد ضد كل ما هو إيراني. وصحيح أن قيام المتظاهرين بحرق القنصلية الإيرانية في كربلاء مطلع الشهر الجاري، وقنصلية النجف أول من أمس، مثَّل ذروة العداء الشعبي الذي برز على السطح ضد إيران ودورها السلبي ونفوذها في محافظات وسط وجنوب العراق ذات الغالبية الشيعية، إلا أن ثمة ملامح أخرى غير بارزة لهذا العداء، تجد نماذجها في حملة مقاطعة واسعة ضد المنتجات الإيرانية في الأسواق المحلية.
ومع أن نتائج مقاطعة البضائع الإيرانية، وخصوصاً تلك المتعلقة بالصناعات الثقيلة ومنها صناعة السيارات، غير واضحة حتى الآن، ولا يمكن التنبؤ بحجمها مع انعدام الإحصاءات الرسمية وشبه الرسمية، فإن طيفاً واسعاً من المواطنين وباعة الجملة والمفرد يتحدثون منذ أيام عن التراجع الواضح في الإقبال على شراء المنتجات الغذائية الإيرانية بشكل عام، وتلك المتعلقة بصناعة الحليب ومشتقاته. وبات من غير المستغرب أن تشاهَد في بغداد ومحافظات وسط وجنوب العراق، لوحات إعلانية موضوعة في الأسواق الصغيرة والكبيرة، وهي تشير إلى بيع كل 5 قطع من قشدة «كالة» التي تنتجها شركة منتجات ألبان إيرانية، بسعر ألف دينار عراقي (أقل من دولار أميركي)، بعد أن كانت القطعة الواحدة بنصف هذا السعر، أي بمعدل تراجع وصل إلى أكثر من نصف سعرها الأصلي، نتيجة إعراض المواطنين عن شرائها.
يقول أحمد العكيلي الذي يملك سوقاً صغيرة لبيع المواد الغذائية بالمفرد في العاصمة بغداد، إن «تجار الجملة في منطقة جميلة باتوا يتوسلون لتجار المفرد لشراء المنتجات الغذائية الإيرانية بأسعار مخفضة جداً، للخشية من تلفها قبل أن تجد طريقها إلى المستهلكين». ويضيف العكيلي في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن «تجار الجملة يطلبون منا أخذ بضع البضائع الإيرانية ذات صلاحية الإنتاج القريبة مجاناً للتخلص منها؛ لكنهم يواجهون بالرفض أحياناً؛ لأن تجار المفرد غير متأكدين من بيعها وتصريفها ضمن التاريخ المحدد لانتهاء الصلاحية».
ويؤكد أن «البضائع الإيرانية تتكدس بطريقة لافتة هذه الأيام في أسواق الجملة مع عدم الرغبة في شرائها؛ لكن ذلك لا يعني أن المقاطعة تامة وشاملة، مع الرخص الذي تتمتع به المواد الغذائية الإيرانية مقارنة مع البضائع التركية، وتلك القادمة من دول الخليج، وغياب البديل العراقي المناسب أمام المواطنين».
كان ناشطون ومدنيون أطلقوا مطلع الشهر الجاري، حملة واسعة لمقاطعة البضائع الإيرانية، وأطلقوا هاشتاغ «خلوها تخيس» بمعنى «دعوها تتعفن» رداً على ما صدر من بعض رجال الدين والقادة الإيرانيين من اتهامات ضد الاحتجاجات العراقية، واتهامها بالتمويل الخارجي.
من جانبه، يؤكد أبو مرتضى – وهو بائع جملة للمواد الغذائية في بغداد – عزوف نسبة عالية من المواطنين العراقيين عن شراء المنتجات الإيرانية؛ لكنه يقول لـ«الشرق الأوسط»: «علينا ألا نبالغ كثيراً، ما زالت العائلات الفقيرة تقبل على المنتجات الإيرانية الرخيصة. المقاطعة تتركز في الأحياء الغنية في بغداد غالباً، كذلك تكثر في بعض المحافظات دون غيرها».
ويضيف أبو مرتضى: «المتغير الجديد أن قطاعات غير قليلة داخل المكون الشيعي هي من تبادر إلى حملة المقاطعة هذه الأيام، بينما كان الأمر يقتصر سابقاً على القطاعات الشعبية في المحافظات ذات الأغلبية السنية». ويرى أن «مقاطعة البضائع الأجنبية عموماً مرتبطة بالإنتاج المحلي أساساً، فلو قامت السلطات في وقت مبكر بتحريك عجلة الاقتصاد وبناء المصانع العملاقة المنتجة لصنوف المواد الغذائية، لما احتاجت البلاد لهذا الكم الضخم من البضائع الأجنبية».
وإلى جانب حملة المقاطعة الشعبية للمنتجات الإيرانية، يشير بعض المراقبين إلى مساهمة إيقاف المعابر الحدودية بين البلدين، أو انخفاض حركتها إلى مستويات غير مسبوقة، نتيجة الاحتجاجات العراقية، في الأضرار والتأثير على عمليات التبادل التجاري وغيره بين العراق وإيران. وتتهم قطاعات عراقية واسعة السلطات العراقية بوقوفها وراء حالة التردي الاقتصادي والصناعي التي تعاني منها البلاد منذ سنوات، والتي تنعكس على شكل اختلال واضح في ميزان التبادل التجاري بين العراق وإيران وبقية دول الجوار والإقليم؛ إذ يميل ذلك الميزان إلى غير صالح العراق دائماً، باعتباره بلداً مستهلكاً وغير منتج للبضائع.